للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:

الْمُبَاحَاتُ مِنْ حَقِيقَةِ اسْتِقْرَارِهَا١ مُبَاحَاتٍ أَنْ لَا يُسَوَّى٢ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَنْدُوبَاتِ وَلَا الْمَكْرُوهَاتِ٣؛ فَإِنَّهَا إِنْ سُوِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَنْدُوبَاتِ بِالدَّوَامِ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى كَيْفِيَّةٍ فِيهَا مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ٤ ذَلِكَ؛ تُوُهِّمَتْ مَنْدُوبَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْجِبَاهِ بِأَثَرِ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ٥، وَمَسْأَلَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي غَسْلِ ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ وَتَرْكِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ٦.

وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ٧ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ؛ فَجَلَسَ سَاعَةً ثُمَّ دَعَا بِالْوُضُوءِ وَالطَّعَامِ، فَقَالَ: "ابْدَءُوا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي نَفْسَهُ- لَا يَغْسِلُ يَدَهُ. فَقَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لَيْسَ هُوَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، إِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِ الْأَعَاجِمِ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أَكَلَ مَسَحَ يَدَهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَأَتْرُكُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ, فَمَا عَادَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ صَالِحٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا نَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ لَا يَغْسِلَ


١ في "ف": "من حيث استقرارها"، وقال: "لعله هنا وفي المسألة الثامنة الآتية من حقيقة استقرارها كما يدل عليه سابق الكلام ولاحقه".
٢ أي: في الفعل والقول، بل يفرق بهما أو بأحدهما؛ كما سيأتي أنه وإن داوم على ترك أكل الضب والفوم؛ إلا أنه بين حكمهما ببيان سبب امتناعه عن تعاطيهما. "د".
٣ واقتصر عليهما؛ لأن لا يرتقي الوهم في المباحات إلى توهمهما واجبات أو محرمات، بخلاف المكروهات كما يأتي بعد. "د".
٤ عطف على قوله "بالدوام"؛ فترك عمر المباح من استبدال ثوب آخر بثوبه في هذا المقام، وهو يظن الاستنان ترك لما فيه تسوية للمباح بالمسنون. "د".
٥ انظر: "ص١١٢".
٦ انظر: "٣/ ٥٠٢، ٤/ ١٠٩".
٧ في "ترتيب المدارك" "١/ ٢١٠, ط مكتبة دار الحياة, بيروت".

<<  <  ج: ص:  >  >>