قلت: وهو تفصيل وتقييد لما اتسمت به المسألة الرابعة من القسم الثاني من قسمي الأحكام "١/ ٣١١ وما بعدها" من إجمال وإطلاق. ٢ وكذا الحقوق، وهي مجرد وسائل شرعت لتحقيق غايات معينة قصد الشارع تحقيقها فكانت وسائل أو مقدمات لنتائج المصالح، وليست مقصودة لذاتها حتى تكون مصدرا لسلطة مطلقة يتصرف بها صاحبها كما يشاء، لأن هذا يؤدي إلى اعتبار الحق غاية في ذاته، وذلك يتنافى، والقاعدة المجمع عليها -وذكرها المصنف مرارًا- وهي أن المصالح المعتبرة في الأحكام؛ لأن التصرف المطلق قد يؤدي إلى مناقضة الشارع، ومناقضة الشرع عينا باطلة؛ فما يؤدي إليها باطل. هذا وثمرة اعتبار الحق مجرد وسيلة إلى تحقيق مصلحة شرع من أجلها، أنه مقيد في استعماله بما يحقق هذه المصلحة، وإلا اعتبر المستعمل معتسفًا كأن يتخذه ذريعة إلى مجرد الإضرار بغيره، أو لتحقيق نتائج ضارة بغيره، ترجح على ما يجنيه من مصلحة وهذان الوجهان من الاعتساف يقتضيان النظر في البواعث النفسية أو النتائج المادية التي تنجم عن استعمال الحقوق؛ كمعيارين يعرف بهما التعسف، أما النظر إلى النتائج؛ فهو معنى النظر في مآلات الأفعال الذي يقرر المصنف أنه أصل معتبر مقصود في الشريعة؛ كما سيأتي "٥/ ١٧٧ وما بعدها". ومن الجدير بالذكر هنا أنه لا يكفي توخي المصلحة التي شرع العمل من أجلها، بل لا بد فيها من امتثال نية امتثال أمر الله، وبيان ذلك أن العمل -وهو وسيلة تنفيذ الحق- بوجه عام إذا كان تعبديا؛ أي: يقصد به امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وهو حق الله فيه كما بينا؛ فإن المصلحة التي تقصد به تعبدية أيضا لأمرين: الأول: لأنها من وضع الشارع الحكيم، وذلك آية حق الله في المصلحة؛ فلا يجوز للعباد ابتداع المصالح لأنه تشريع مبتدأ، وذلك محرم بالضرورة. =