للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا أُمُورٌ أُخَرُ هِيَ مَعَانِيهَا، وَهِيَ الْمَصَالِحُ الَّتِي شُرِعَتْ لِأَجْلِهَا؛ فَالَّذِي عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَضْعِ١؛ فَلَيْسَ عَلَى وَضْعِ الْمَشْرُوعَاتِ.

فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَإِفْرَادِهِ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَمُطَابَقَةِ الْقَلْبِ لِلْجَوَارِحِ فِي الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، فَإِذَا عُمِلَ بِذَلِكَ عَلَى قَصْدِ نَيْلِ حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا مِنْ دَفْعٍ أَوْ نَفْعٍ؛ كَالنَّاطِقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَاصِدًا لِإِحْرَازِ دَمِهِ وَمَالِهِ لَا لِغَيْرِ٢ ذَلِكَ، أَوِ الْمُصَلِّي رِئَاءَ النَّاسِ لِيُحْمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَنَالَ بِهِ رُتْبَةً فِي الدُّنْيَا؛ فَهَذَا الْعَمَلُ لَيْسَ مِنَ الْمَشْرُوعِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي شُرِعَ لِأَجْلِهَا لَمْ تَحْصُلْ، بَلِ الْمَقْصُودُ بِهِ ضِدُّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ.

وَعَلَى هَذَا نَقُولُ٣ فِي الزَّكَاةِ مَثَلًا: إن المقصود بشمروعيتها رَفْعُ رَذِيلَةِ الشُّحِّ وَمَصْلَحَةُ إِرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ، وَإِحْيَاءُ النفوس المعرضة للتلف، فمن وهب


= الثاني: أن المكلف إذا كان عليه أن يتوخى المصلحة التي قصدها الشرع، حتى يكون قصده في العمل موافقا لقصد الله في التشريع؛ فإن توخيه لمحض المصلحة ولذاتها لا يجعل عمله تعبديًّا؛ لأنه لا يختلف عن ابتغاء أي إنسان لحظوظه المجردة في الحياة؛ فلا بد ليؤدي حق الله في عمله أن تتجه نيته إلى امتثال أمر الله جل وعلا، وفي هذا تقديم قول المصنف "٣/ ٩٩": "فَإِنَّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ شُرِعَ لمصلحة كذا ... فَقَدْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ قَاصِدًا لِلْمَصْلَحَةِ غَافِلًا عَنِ امتثال الأمر فيها ... ".
وإذا ثبت أن المصلحة تعبدية، سواء كانت معقولة المعنى أم غير معقولة؛ فما انبنى عليها وهو التصرفات والأعمال تعبدية أيضا.
٣ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
١ حيث تحايل على الحكم الشرعي؛ فحافظ على ظاهره، ولم يحافظ على جوهره ومقصوده، بل سعى به لغاية أخرى. انظر: "الفروق" "٢/ ٣٢": "الفرق الثامن والخمسون".
٢ في نسخة "ماء/ ص٢٤٣": "غير".
٣ في نسخة "ماء/ ص٢٤٣": "فنقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>