للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: "لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذا فإني لم أقل هذه المقالة إلا إني قلت: أفعال العباد مخلوقة" (١)، وعقب السبكي بعد أن أورد هذا الخبر بقوله "قلت: تأمل كلامه، ما أذكاه! ومعناه- والعلم عند الله- إني لم أقل لفظي بالقرآن مخلوق، لأن الكلام في هذا خوض في مسائل الكلام وصفات الله التي لا ينبغي الخوض فيها، إلا للضرورة، ولكني قلت: أفعال العباد مخلوقة، وهي قاعدة مغنية عن تخصيص هذه المسألة بالذكر، فإن كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا، وأفعالنا مخلوقة ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه، رواها حاتم ابن أحمد بن الكندي، قال: سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية، وفيها: أن رجلاً قام الى البخاري، فسأله عن اللفظ بالقرآن. فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا" (٢) ثم قال السبكي: "وفي الحكاية: أنه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخاري، فقال بعضهم: قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال آخرون: لم يقل" (٣).

ولما خاض الناس في حديثهم عن قول الإمام بخلق اللفظ، التجأ إلى شيخه إمام أهل السنة والجماعة الصابر في محنة خلق القرآن وطلب منه أن ينظر في قوله، فإن كان مصيباً أقره، وإن كان خطأ أرشده. فنقل ابن أبي يعلى الفراء عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أنا رجل مبتلى، قد ابتليت أن لا أقول لك، ولكن أقول. فإن أنكرت شيئاً فردني عنه: القرآن من أوله إلى آخره: كلام الله، ليس شيء منه مخلوق. ومن قال: إنه مخلوق أو شيء منه مخلوق: فهو كافر. ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق: فهو جهمي كافر؟ قال: نعم" (٤).


(١) انظر: تاريخ بغداد ج ٢/ ٣٢؛ طبقات الحنابلة ج ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨، ورواه أيضا غنجار في تاريخ بخارى نقله عنه ابن حجر في هدي الساري ص ٤٩١، وذكره تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية ج ٢/ ٢٣٠ باختصار.
(٢) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٣) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٢٣١.
(٤) انظر: طبقات الحنابلة ج ١/ ٢٧٨ - ٢٧٩.