للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد عقب تاج الدين السبكي على كلام محمد بن يحيى بأنه أراد - والعلم عند الله- ما أراده أحمد بن حنبل من النهي عن الخوض في هذا، ولم يرد مخالفة البخاري، وإن خالفه وزعم أن لفظه الخارج من بين شفتيه المحدثتين قديم، فقد باء بأمر عظيم، والظن به خلاف ذلك/ (٢٣٠) وإنما أراد هو، وأحمد وغيرهما من الأئمة "النهي عن الخوض في مسائل الكلام، وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك عند الاحتياج إليه، فالكلام في الكلام عند الاحتياج واجب، والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة "ثم قال السبكي" (١): "فافهم ذلك، ودع خرافات المؤرخين، واضرب صفحاً عن تمويهات الضالين، الذين يظنون إنهم محدثون، وإنهم عند السنة واقفون، وهم عنها مبعدون، وكيف يظن بالبخاري أنه يذهب إلى شيء في أقوال المعتزلة، وقد صح عنه فيما رواه الفربري، وغيره، إنه قال: أني لاستجهل من لا يكفر الجهمية. ولا يرتاب المنصف في أن محمد بن يحيى الذهلي لحقته آفة الحسد، التي لم يسلم منها إلا أهل العصمة" (٢). ولقد أفصح وأوضح قوله في القرآن لمن كان يسأله من الرواة الثقات وأخذ بعض المحدثين يشك فيما ينسب إلى الإمام فيلجأ إلى سؤاله ويجيب على سؤاله الإمام الجليل. ولقد روى الخطيب بسنده إلى أبي عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري الخفاف أنه قال: "كنا يوماً عند محمد بن إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه؟ فقال: ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه، قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه فقلت: يا أبا عبد الله ها هنا أحد يحكي عنك قلت هذه المقالة. فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني


(١) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٢) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٢٣٠.