للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُ كْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإِيمَانِ} (١) فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: أف وقام وقال: لا يقبل لنا عذراً فخرجت بعده وهو جالس على الباب فقال: أي شيء قال أحمد بعدي؟ قلت: قال يحتج بحديث عمار، وحديث عمار: "مررت وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني" وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم. فسمعت يحيى يقول: مر يا أحمد غفر الله لك، فما رأيت والله تحت أديم سماء الله أفقه في دين الله منك (٢).

وبهذا يتبين أن الإمام يحيى بن معين لم يكن يقر بالقول بخلق القرآن ولقد صرح بذلك وسمعه تلميذه عباس الدوري وهو يقول: "القرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق" (٣) ولكن الفتنة كانت عظيمة فزلزلت القلوب وجعلت الحليم حيران إلا من عصمه الله.

روى ابن أبي يعلى الفراء بسنده إلى العباس الدوري أنه قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل. لا والله، لا نقدر على أحمد، ولا على طريق أحمد" (٤) ولقد أحسن الحافظ الذهبي حيث قال عن يحيى بن معين: "وإنما ذكرته عبرة ليعلم أن ليس كل كلام وقع في حافظ كبير يؤثر فيه بوجه. ويحيى فقد قفز القنطرة بل من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي. رحمه الله" (٥).


(١) سورة النحل: الآية ١٠٦.
(٢) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٣٨٩، وكذلك رواه ابن أبي يعلى الفراء بسنده إلى المروزي. انظر: طبقات الحنابلة ج ١/ ٤٠٤.
(٣) انظر: تهذيب التهذيب ج ١١/ ٢٨٢.
(٤) انظر: طبقات الحنابلة ج ١/ ١٣ - ١٤.
(٥) انظر: ميزان الاعتدال ج ٤/ ٤١٠.