لا تعنى الوحدة الموضوعية احتواء القرآن الكريم على موضوع واحد، وإنما إذا كان القرآنُ الكتابَ المقروء، والكون هو الكتابَ المنظور، فإن محتواهما واحد، بمعنى أن الكون تمتد منه شواهدُ كثيرةُُ لكن دلالاتها واحدة، هي أن للكون إلهاً، والقرآن هو القصة الصادقة الوحيدة للإنسان وما يحيط به، بكل ما ترامت أطراف اتصافه، وبكل أبعاد آثار وجوده وفكره وحركته في الحياة، فالقرآن قضيته واحدة هي التوحيد، يُصَرِّفُ الدافعَ إليه نحو كل نمط من أنماط السلوك البشري لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة.
والقرآن يُصَرِّفُ الآيات الكونية في اعتبار القارئ ليستجمع دلائل التوحد بين كلام الله المقروء وكلامه المنظور، ثم لا يجد المرء نفسه إلا بين خيارين، إقرارِهِ بالعبودية لله لأنه لا يمكن أن يخرج من إطار ما سيق من صفات بشرية في القرآن بحجة أنه لم يكن فيه ما لا يريده القرآن ولا تحدث عنه، وكذلك لا يخرج بحال عن قوة حاجته إلى ما يحيط به من مكونات مخلوقة لله تقوم بها حياةُ ذلك الإنسان، فأنَّى يُصْرف.
والأمر الثاني أو الخيار الآخر جحوده لكل ما حوله من أعلام القول الأفقي في الكون بأن للكون خالقا هو الإله الحق الله , وأعني بالقول الأفقي أن الإنسان يدرك في عمره بسطة أفقية مكانية على قدر سيره في الأرض يتبين من خلالها جلائل الآيات في الأرض على عظمة الخالق الناطق بها عظمةُ المخلوق.