للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عقلي، والنحو مقصور، والمنطق مبسوط، والنحو يتبع ما في طباع العرب وقد يعتريه الاختلاف، والمنطق يتبع ما في غرائز النفوس وهو مستمر على الائتلاف … » (١)

وفي خاتمة المقابسة ٢٤ يقول: «وبهذا يتبين لك أن البحث عن المنطق قد يرمي بك إلى جانب النحو، والبحث عن النحو يرمي بك إلى جانب المنطق، ولولا أن الكمال غير مستطاع لكان يجب أن يكون المنطقي نحويًّا والنحوي منطقيًّا، خاصة والنحو واللغة عربية، والمنطق مترجَم بها ومفهوم عنها … » (٢)

كان هذا الفهم للطبيعة العُرفية للنحو في مقابل الطبيعة العقلية للمنطق استباقًا مبكرًا من التوحيدي والسجستاني للفهم الحديث الذي نجد بداياته في حركة Vaugelas في فرنسا الذي قال عبارته المشهورة «إن الفيصل هو الاستعمال، وليس للعقل في اللغة مجال»، وكانت الأكاديمية الفرنسية من أنصار هذا الرأي، إذ كانت تجعل مهمتها عرض «القواعد التي وضعها الاستعمال» و «استخلاص هذه القواعد من ملاحظة اللغة الحية»، (٣) فالشهادة في النحو مأخوذة من العرف وعادة أصحاب اللغة، فما تعوَّدوه من أساليب التعبير وما جرت به ألسنتهم وما ألفوه في كلامهم من طرقٍ معينة في التعبير بالألفاظ؛ هذا هو المصدر الوحيد لنحو كل لغة، والمقياس الوحيد للحكم على الصواب أو الخطأ في الحديث بتلك اللغة.

[(١) منطق اللغة]

للغة منطقها الخاص الذي يختلف عن المنطق العقلي والفلسفي، فاللغة في نهاية التحليل هي نتاج أفراد الجماعة اللغوية جميعًا على اختلاف تكوينهم ومقتضى أحوالهم، وأفراد الجماعة اللغوية ليسوا أجيالًا من الفلاسفة مُتَشَرِّبين بمنطق أرسطو. واللغة لا تستلزم من مستخدميها أحكامًا عقليةً عميقة، وحسبها أن تكون تعبيرًا واضحًا مفهومًا ومتفقًا عليه بين الجماعة، والسلطة اللغوية الحاكمة هي «الجماعة اللغوية»، وهي تحكم بموجب


(١) أبو حيان التوحيدي: المقابسات، شرح وتحقيق: حسن السندوبي، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ٢٠٠٦، مقابسة ٢٢ ص ١٦٩ - ١٧١.
(٢) المقابسات، ص ١٧٧.
(٣) د. عبد الرحمن بدوي: المنطق الصوري والرياضي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط ٥، ١٩٨١، ص ٣٨.

<<  <   >  >>