«عُرف لغوي»، ومحك الصواب والخطأ في اللغة هو السماع والاستعمال، والقواعد في اللغة قابعةٌ في هذا الاستعمال ومطمورة فيه، وينبغي أن تستخرج أو تستخلص منه ولا تفرض عليه من خارج. اللغة عرفٌ ومجاز ولا تسلك دائمًا مسلكًا منطقيًّا.
سئل الكسائي عن شذوذ «أيُّ» الموصولة في استعمالها عن سائر أخواتها الموصولات، فأجاب:«أيٌّ … هكذا خلقتْ.» وقد صارت عبارته هذه قولًا مأثورًا يدل على كل ما يتعين اتباعه كما هو دون سؤال عن العلة العقلية، أو يدل على كل ما ليس له تعليل عقلي؛ لأنه، ببساطة، عُرف واتفاقٌ وسماع، ومن ذلك: الظواهر اللغوية، فالظاهرة اللغوية بنت العرف والعادة وليست بنت العقل والمنطق.
اللغة لغة والمنطق منطق، ومن يُعمل مقولات المنطق في الظواهر اللغوية أو يقيس اللغة بمعايير المنطق فإنه يغترب عن الظاهرة اللغوية، ويقع فيما يسمى «الخطأ المقولي» Category mistake، شأنه شأن من يقول: الأعداد الحمراء، الفضائل البدينة، القضايا غير القابلة للأكل. إنه، باستعارة تعبير كلايف بل، «يقطع جلاميد صخر بموسى حلاقة، أو يستخدم تلسكوبًا لقراءة جريدة!»
يقول ابن جني:« … هذه اللغة أكثرها جارٍ على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة، وقد قدمنا ذكر ذلك في كتابنا هذا وفي غيره. فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها، وانتشار أنحائها، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه، ويعتادونه منها، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم، وعادتهم في استعمالها.»(١)
في كتاب «من أسرار اللغة» يعرض د. إبراهيم أنيس لظواهر لغوية لا تخضع للمنطق، منها «الإفراد والجمع»، فمن اللغات ما يميز الصيغة بين المفرد وغير المفرد (الجمع)، ويتفق في هذا مع التقسيم المنطقي عند الحديث عن الكم ومنها (اللغات السامية) ما يتخذ في الكم ثلاث صيغ: المفرد والمثنى والجمع، بل يذهب البعض إلى أن العربية أمعنت في التمييز فعرفت جمع الكثرة وجمع القلة وجمع الجمع (وهو أمر غامض غير مطرد). وهناك لغات أفريقية تتخذ صيغة للمفرد، وأخرى للمثنى، وثالثة للمثلث، ورابعة للجمع! وما قد يُعدُّ مفردًا في لغة قد يستعمل جمعًا في لغة أخرى (مثل Shoes حذاء، Trousers بنطال، Moustaches شارب، Scissors مقص). وفي العربية لا نجمع امرأة ولا نفرد