للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التفات لأن قولوا مقدرة معها قطعا، وأحد الأمرين لازم للزمخشرى والسكاكى، إما أن يكون فى الآية التفاتان أو لا يكون فيها التفات بالكلية، هذا إن فرعنا على رأى السكاكى وهو مقتضى كلام الزمخشرى لأنه جعل فى أبيات امرئ القيس ثلاثا وإن فرعنا على رأى الجمهور ولم نقدر قولوا: الحمد لله فلا التفات لأنا نقدر قولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإن قدرنا قولوا قبل الحمد لله كان فيه التفات واحد فى إياك وبطل قول الزمخشرى: إن فى أبيات امرئ القيس ثلاث التفاتات.

(تنبيه): ما تقدم يقتضى أن أسلوب الغيبة لا فرق فيه بين أن يكون فيه ضمير غائب أو لا، بدليل تمثيلهم كما سبق بقوله تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ (١) فقد جعلوا لفظ الجلالة ملتفتا عنه، وهذا كثير فى كلامهم، وفيه نظر ينبغى أن يفصل بين أن يكون الاسم الظاهر مشتملا على ضمير غائب أو لا فإن كان مشتملا على ضمير مستتر أو كان فى الكلام ضمير غائب فيكون ذلك أسلوب غيبة والنقل عنه أو إليه التفاتا، وإن كان فى الكلام اسم ظاهر لا ضمير فيه فأين أسلوب الغيبة ونسبة الاسم الجامد إلى المتكلم والمخاطب والغائب على السواء؟! وإنما يبتدر الذهن من قول الشخص عن نفسه أو مخاطبه: فعل زيد إلى أنه غير المتكلم والمخاطب لغلبة الاستعمال، ولأن العدول عن الضمير الصريح فى تكلم أو خطاب إلى الاسم الجامد قرينة إرادة الغيبة فإن الأعلام وضعها إنما كان للتمييز والذى يحتاج للتمييز غالبا هو الغائب، فإن ضميره لا يستقل لاحتياجه إلى مفسر، وأما عود ضمير الغيبة على العلم فلاستقباح أن يقول الشخص عن نفسه: زيد فعلت لما فيه من التنافر، ولذلك لم تمتنع رعاية المعنى فى جملة أخرى فيقول الشخص عن نفسه: زيد قام وقعدت رعاية للمعنى لا للالتفات، فليس تعبير المتكلم عن نفسه أو مخاطبه بالعلم إلا وضع الظاهر موضع المضمر، غير أن هذه اصطلاحات لا مشاحة فيها.

(تنبيه): ذكر التنوخى فى الأقصى القريب وكذلك ابن الأثير فى كنز البلاغة وابن النفيس فى طريق الفصاحة نوعا غريبا من الالتفات، وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه فيكون التفاتا عنه كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (٢)


(١) سورة فاطر: ٩.
(٢) سورة الفاتحة: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>