للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فليس منه لأن الضميرين أحدهما على اللفظ والآخر على المعنى، وشيخنا أبو حيان توهم أن ذلك من الالتفات لأنه

لم يحقق معنى الالتفات وظن أنه أمر لفظى، وكذلك ظن أن منه قراءة من قرأ (إياك يعبد) بالياء مضمومة فى يعبد، وليس منه، والظاهر أنها مبنية على جواز أنا قام بالقياس على جواز أنا رجل قام، ولا يصح هذا القياس لأن شرط ذلك أن يتقدم ما لفظه لفظ الغيبة من موصول أو موصوف، نعم قد ظفرت فى القرآن الكريم بمواضع قد يقال: إن الالتفات فيها وقع فى كلام واحد وإن لم يكن من جزأى الجملة، منها قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي (١)، ومنها قوله تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا (٢)، ومنها قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ (٣) بعد قوله: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ التقدير: إن وهبت امرأة نفسها للنبى أحللناها لك، وجملتا الشرط والجزاء كلام واحد، فإن قلت: قد وقع الالتفات أيضا بين الشرط والجواب فى قول كثير:

أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت (٤)

قال الجوهرى: خاطبها ثم غايب. قلت: لا نسلم أن هذا التفات، بل روعى فيه لفظ مقلية فجاء على الغيبة كقولك: أنت رجل قام وأنت مقلية تقلت، كما تقدم فى قوله:

أأنت الهلالىّ الّذى كنت مرّة ... سمعنا به ...

وقول الجوهرى:" إنه خاطبها ثم غايب" يمكن حمله على ما قلناه، ولئن سلمنا أنه التفات فنقول: ليس قوله: لا ملومة جواب الشرط بل دليله على مذهب البصريين، ولا يمتنع اختلاف الجواب ودليله فى الخطاب والغيبة، ولو امتنع ذلك أو قلنا: إنه جواب


(١) سورة العنكبوت: ٢٣.
(٢) سورة القصص: ٥٩.
(٣) سورة الأحزاب: ٥٠.
(٤) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص ١٠١، ولسان العرب ١/ ٩٦ (سوأ)، ١٣/ ١١٥ (حسن)، ١٥/ ١٩٨ (قلا)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٢١، وتهذيب اللغة ٤/ ٣١٨، والأغانى ٩/ ٣٨، وأمالى القالى ٢/ ١٠٩، وتزيين الأسواق ١/ ١٢٤، وتاج العروس ١/ ٢٧٤ (سوأ)، (قلى).

<<  <  ج: ص:  >  >>