للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تَعَقّبَه ابن المنيِّر في قوله هذا، فقال: هذا أوّل عَشْواء خَبَطَها! في مَهْوَاة هَبَطَها، حيث نَزَل مِنْ منصَّة النَّصّ إلى حَضِيض تَأويلِه ابتغاء الفِتْنَة اسْتِبْقَاء لِمَا كُتِب عليه مِنْ الْمِحْنَة، فنْطَوَى كَلامُه هذا على ضَلالاتٍ أعُدّها وأرُدّها (١). ثم شَرَع في ذِكْرِها ورَدّ قول الزمخشري وتأويله.

وأطال ابن عطية النَّفَس في هَذه الآية، فَقال: الْمَعْنى على مَا قَالتْ فِرْقَة: ونُقَلِّب أفْئِدَتهم وأبْصَارَهم في النَّار وفي لَهِيبِها في الآخِرَة لَمّا لَم يُؤمِنُوا في الدُّنيا، ثم استأنف على هذا: (وَنَذَرُهُمْ) في الدنيا (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٢).

وقَالَتْ فِرْقَة: إنما الْمُرَاد بالتَّقْلِيب: التَّحْويل عَنْ الْحَقّ والْهُدَى، والتَّرْك في الضَّلالَة والكُفْر. ومَعْنى الآية: أنَّ هَؤلاء الذين أقْسَموا أنَّهُم يُؤمِنُون إنْ جَاءت آيَة، نَحْنُ نُقَلِّبُ أفْئِدَتهم وأبْصَارَهم أنْ لَو جَاءت فلا يُؤمِنُون بِها كَمَا لَو يُؤمِنُوا أوَّل مَرَّة بِمَا دُعُوا إليه مِنْ عِبَادَة الله؛ فأخْبر الله تَعالى على هذا التَّأويل بِصُورة فِعْلِه بهم.

وقَالَتْ فِرْقَة: قَوله: (كَمَا) في هَذه الآية إنما هي بِمَعْنى الْمُجَازَاة، أي: لَمّا لَمْ يُؤمِنُوا أوَّل مَرَّة نُجَازِيهم بأن نُقَلِّب أفْئِدَتهم عن الْهُدَى ونَطْبَع على قُلُوبِهم، فَكَأنه قَال: ونَحْنُ نُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصَارَهم جَزَاء لما لَم يُؤمِنُوا أوَّل مَرَّة بما دُعُوا إليه مِنْ الشَّرع، والضَّمير في: (بِهِ) يُحْتَمَل أن يَعُود على الله عَزَّ وَجَلَّ، أوْ على القُرآن، أوْ على النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.

(وَنَذَرُهُمْ) مَعْنَاه: نَتْرُكُهم (٣).


(١) حاشية الكشاف، مرجع سابق (ص ٤٢).
(٢) فيكون على القول بالتقديم والتأخير.
(٣) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٣٣٤) باختصار يسير.

<<  <   >  >>