للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختار الثعلبي أنَّ مَعْنى آية "البقرة": طَبَعَ الله عَلى قُلُوبِهم وأغْلَقَها وأقْفَلَها فَلَيْستْ تَعِي خَبرًا ولا تَفْهَمه. يَدُلّ عَليه قوله: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: ٢٤] (١).

وفي تَفسير آية "الأنعام" ذَكَرَ قَول ابن عباس وابن زَيد: يَعْنِي: نَحُول بَيْنه وبَين الإيمان ولَو جِئنَاهُم بالآيات التي سَألُوا مَا آمَنُوا بِها كَمَا لم يُؤمِنُوا بالتي قَبْلَها مِثل انْشِقَاق القَمَر وغيره؛ عُقُوبَة لهم على ذلك.

وقِيل: كَما لم يُؤمِنُوا به في الدُّنيا قَبْلَ مَمَاتهم، نَظِيره قَوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام: ٢٣] (٢).

ونَفَى الزمخشري - جريا على عقيدته - كَوْن الْخَتْم والتَّغْشِيَة على الحقيقة! فأوْرَد سؤالًا قال فيه: فإن قُلْت: مَا مَعْنَى الْخَتْم على القُلُوب والأسْمَاع وتَغْشِيَة الأبْصَار؟

قلت: لا خَتْم ولا تَغْشِيَة ثَمَّ على الْحَقِيقَة، وإنما هُوَ مِنْ بَاب الْمَجَاز، ويُحْتَمَل أن يَكُون مِنْ كِلا نَوْعَيه، وهما: الاسْتِعَارَة والتَّمْثِيل (٣).

كما أوْرَد سؤالًا آخر قال فيه: فإن قُلْت: فَلِم أسْنَد الْخَتْم إلى الله تَعالى وإسْنَادُه إليه يَدُلّ على الْمَنْع مِنْ قَبُول الْحَقّ والتَّوَصّل إليه بِطُرُقِه، وهو قَبِيح، والله يَتَعالى عَنْ فِعْل القَبِيح عُلُوًّا كَبِيرًا، لِعِلْمِه بِقُبْحِه وعِلْمِه بِغِنَاه عنه. وقد نَصَّ على تَنْزِيه ذَاتِه .... إمَّا إسْنَاد الْخَتْم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ فَليُنَبِّه على أنَّ هَذه الصِّفَة في فَرْط تَمَكُّنِها وثَبَات قَدَمِها، كالشَّيء الْخَلْقِي غَير العَرَضِيّ .... وكَيف يَتَخَيّل مَا خُيِّل إليك، وقَد وَرَدَت الآية نَاعِيَة على الكُفَّار شَنَاعَة صِفَتِهم وسَمَاجَة حَالِهم، ونِيطَ بِذلك الوَعِيد بِعَذابٍ عَظِيم؟ (٤)


(١) الكشف والبيان، مرجع سابق (١/ ١٥٠).
(٢) المرجع السابق (٤/ ١٨١).
(٣) الكشاف، مرجع سابق (ص ٤١). وسيأتي تعقّب ابن كثير لهذا القَول.
(٤) المرجع السابق (ص ٤٢).

<<  <   >  >>