للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخَتَم ذلك بِقَولِه: واعْلَم أنَّ هَذه الأقْوال وإنْ كانَتْ حَسَنَة، إلَّا أنَّ القَول الأول أحْسَن منها؛ وذلك لأن عطف قوله: (وَمَا أُنْزِلَ) على ما يَلِيه أوْلى مِنْ عَطْفِه عَلى ما بَعُدَ عنه إلَّا لِدَلِيل مُنْفَصِل (١).

وأطال أيضًا في تَقْرِير مَسْأَلة مَا إذا كان هَارُوت ومَارُوت مَلَكَين، وفي الاخْتِلاف في سَبَب نُزُولِهِما (٢).

وقال ابن جُزي: (وَمَا أُنْزِلَ) نَفْي، أو عَطْف على السِّحْر عَلَيهما، إلَّا أنَّ ذلك يَرُدّه آخِر الآية، وإنْ كانت مَعْطُوفَة بِمَعْنَى "الذي"، فالْمَعْنَى أنَّهُما أُنْزِل عَلَيهما ضَرْب مِنْ السِّحْر ابْتِلاء مِنْ الله لِعِبَادِه، أوْ لِيُعْرَف فيُحْذَر. وقُرئ الْمَلِكِين بِكَسْر اللام، وقال الْحَسَن: هُمَا عِلْجَان؛ فَعَلَى هَذا يَتَعَيَّن أنْ تَكون "ما" غير نافِيَة (٣).

وقد أطال ابن كثير في ذِكْر الرّوايات في نُزُول الْمَلَكَين، ونَقَل عن ابن جرير قوله ورِوايته، ثم قال: وذَهَب كَثير مِنْ السَّلَف إلى أنهما كانا مَلَكَين مِنْ السَّمَاء، وأنَّهُمَا أُنْزِلا إلى الأرْض، فَكَان مِنْ أمْرِهما مَا كَان (٤).

ثم أجَاب عَمَّا يَرِد مِنْ إشْكَال، فقال: وعلى هذا فَيَكُون الْجَمْع بَيْن هَذا وبَيْن مَا وَرَد مِنْ الدَّلائل على عِصْمَة الْمَلائكَة - أنَّ هَذَين سَبَق في عِلْم اله لَهُما هَذا، فيَكُون تَخْصِيصًا لهما، فلا تَعَارُض حِينئذ، كما سَبَق في عِلْمِه مِنْ أمْر إبْليس مَا سَبَق، وفي قولٍ: إنه كَان مِنْ الْمَلائكَة، لقَوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (٣/ ١٩٧، ١٩٨) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٣/ ١٩٨ - ٢٠٠).
(٣) التسهيل لعلوم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٥٥).
(٤) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ٥٢٢).

<<  <   >  >>