للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتأويل الثاني - هو الأصحّ -: أنَّ الله تعالى امْتَحَن النَّاس بالْمَلَكَين في ذَلك الوَقْت، فَمَنْ شَقِي يَتَعَلَّم السِّحْر مِنْهُما فَيَكْفُر بِهِ، ومَن سَعُد يَتْرُكْه فَيَبْقَى على الإيمان، ويَزْدَاد الْمُعَلِّمَان بالتَّعْلِيم عَذَابًا، فَفِيه ابْتِلاء للمُعَلِّم والْمُتَعَلِّم، ولله أنْ يَمْتَحِن عِبَادَه بِمَا شَاء، فَلَه الأمْر والْحُكْم (١).

ولابن عطية تَفْصِيل آخَر، فإنه قال: "ما" عُطِف على السِّحْر، فَهْي مَفْعُولَة، وهذا على القَول بأنَّ الله تَعالى أنْزَل السِّحْر عَلى الْمَلَكَين فِتْنَة للنَّاس؛ لِيَكْفُر مَنْ اتَّبَعَه، ويُؤمِن مَنْ تَرَكَه، أوْ على قَول مُجاهِد وغَيره: إنَّ الله تعالى أنْزَل على الْمَلَكَين الشيء الذي يُفَرَّق بِه بَين الْمَرْء وَزَوْجِه دُون السِّحْر، أوْ على القَول: إنه تعالى أنْزَل السِّحْر عَليهما ليُعْلَم على جِهَة التَّحْذِير مِنه، والنَّهْي عنه.

ثم قال: والتَّعْلِيم عَلى هَذا القَول إنّما هو تَعْرِيف يَسِيرٌ بِمَبَادِئه.

وقيل: إن "ما" عُطِف على "ما" في قوله: (مَا تَتْلُو).

وقيل: "ما" نافية، رَدّ على قوله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)، وذَلك أنَّ اليَهود قَالوا: إنّ الله أنْزَل جِبْرِيل ومِيكَائيل بالسِّحْر؛ فَنَفَى الله ذلك (٢).

وأطال الرازي في معنى "ما"، وفَرّع عليه تَفْرِيعَات، فَذَكَر في قَوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) مَسَائل، منها:

الأولى: "ما" في قوله: (وَمَا أُنْزِلَ)، وفِيه وَجْهَان:

الأول: أنه بِمَعْنَى "الذي". وذَكَر أنَّ الذين قَالوا بهذا القَول اخْتَلَفُوا فيه على ثلاثة أقوال، وذَكَر ضِمنها احتجاج أبي مُسلم، وأطَال في رَدّ احْتِجَاجِه.

الثاني: أن يكون "ما" بِمَعْنَى الْجَحْد.


(١) مَعَالم التنْزيل، مرجع سابق (١/ ٩٩، ١٠٠)، والتأويل الثاني بِحُرُوفِه في "الكشف والبيان" (١/ ٢٤٥).
(٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ١٨٦).

<<  <   >  >>