إنهم دُعاة إلى الله، فهم يتحرّرون من التّبعيّة لأيّ عقيدة وفكْر غير الإسلام، ولا يخضعون لرأي يُخالف ثوابتهم الدِّينية أصولَهم العقائدية. إنهم يحملون في صدورهم خير الأعمال منزلةً وأشرفها مكانةً، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فُصِّلَت:٣٣).
ويجب أن يعرف الدّعاة أن الدّعوة إلى الله هي تاجٌ على رؤوسهم، وشرَف يزيّن جباهَهم، لأنهم يضمّون بين حنايا قلوبهم وطوايا نفوسهم أشرفّ عمل لأعظم رسالة، وأسمى هدف لأكرم غاية، توجب على الناس السماعَ إليهم وإجابة دعوتهم، قال تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(الأحقاف:٣١، ٣٢).
وعلى الأمّة أن تنتقي مِن بين أبنائها صفْوة العقول وخلاصَة النابهين، وأن تُعِدّهم إعداداً عقائدياً وفكرياً وسلوكياً للقيام بأعباء الدّعوة إلى الله.
هذا هو الواجب المأمول وما ينبغي أن يكون.
غير أنّ واقع الدّعاة في جميع بلاد المسلمين يُرثى له ويؤسَف عليه؛ فالدعوة إلى الله وما يتعلّق بشوؤنها تأتي في مؤخّرة الاهتمامات، وأقسام الدّعوة في الكلّيّات تكاد تغلق أبوابها من قلّة الراغبين فيها، ولا يلتحق بها إلاّ أصحاب المجامع المتدنِّية والقُدرات المتواضعة. وقد يبرز من بين هؤلاء من وهَبَهم الله ملَكات الدّعوة ومقوّماتها، ولكنّ عدَدهم في كلّ دفعة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ليتحقّق بهم قول الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحِجر:٩).
وسوف نبيِّن في المباحث التالية صفات الداعي، وما يجب أن يتحلّى به خُلُقياً وفكرياً وعملياً.