أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة يقضى بها لصاحب الأرض، هكذا ذكر المسألة في «الكتاب» بعض مشايخنا قالوا: هذا الخلاف فيما إذا كان النهر أعلى يقضى بالمسناة لصاحب النهر؛ لأنه هو المحتاج إلى المسناة وإن كانت الأرض أعلى، يقضى بالمسناة لصاحب الأرض؛ لأنه هو المحتاج إليها إلا أن في «الكتاب» أطلق الجواب إطلاقاً، من مشايخنا من قال: هذه المسألة بناء على مسألة أخرى، أن صاحب النهر هل يستحق حريماً لنهره إذا حفر نهراً في أرض الموات على قولهما يستحق، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: لا يستحق وإذا كان من مذهبهما أن صاحب النهر يستحق الحريم لنهره كانت المسناة في يد صاحب النهر تبعاً للنهر، فيقضى له بحكم اليد، وإذا كان من مذهب أبي حنيفة أن صاحب النهر لا يستحق الحريم، لم تكن المسناة (١٩٤ب٤) في يد صاحب النهر، وأنها ليست في يد صاحب الأرض أيضاً؛ لأنه لا حريم للأرض بلا خلاف حتى تكون المسناة في يد صاحب الأرض، إلا أن المسناة أشبه بالأرض، لأنها تصلح للزراعة والغراسة كالأرض والنهر يصلح كذلك.
والأصل في كل شيء تنازع فيه اثنان وليس هو في يد أحدهما إلا أن في يد أحدهما ما هو أشبه بالشيء المنازع فيه، فإنه يقضى به لمن كان في يده ما هو أشبه به، كما لو تنازعا في إحدى مصراعي باب وهو موضوع على الأرض، والمصراع الآخر معلق على باب أحدهما فإنه يقضى بالموضوع لمن كان المصراع الآخر معلقاً على بابه، إذا كان الموضوع يشبه المعلق كذا ههنا، إن جعلنا المسناة بناءً على مسألة الحريم، وإن جعلناها ابتداءً كما ذهب إليه بعض المشايخ فوجه قولهما في المسألة أن الظاهر: شاهد لصاحب النهر، فإن له عليها يد استعمال فإنها تلقي طينه، ألا ترى أن صاحب الأرض لو أراد أن يمنعه عن إلقاء الطين عليها ليس له ذلك؟ والقول قول من يشهد له الظاهر.
وجه قول أبي حنيفة: أن الظاهر في جانب صاحب الأرض أقوى فيكون هو أولى، بيانه: أن الحريم أشبه بالأرض من النهر صورة ومعنى، أما صورة: فإنها مستوياً توازي كل واحد منهما يصلح للزرع والغرس، والنهر لا يصلح لذلك فكان القضاء لصاحب الأرض أولى، كما قلنا في المستأجر ببيع رب الدار إذا اختلفا في لوح وهو يماثل الألواح المركبة، فإنه يقضى به لرب الدار كذا ههنا؛ ولأن يد صاحب الأرض إلى هذا الموضع أسبق، لأن هذا الموضع كان أرضاً في الأصل ثم صار نهراً بعارض، فكان القضاء له أولى.
كما لو تنازع اثنان في حائط ولأحدهما اتصال تربيع، والآخر عليه جذوع كان القضاء بالحائط لصاحب الاتصال أولى، لأن يده سابق، وأما إلقاء الطين على المسناة فقد قال بعض مشايخنا: إن لصاحب الأرض أن يمنع صاحب النهر من إلقاء الطين عليها عند أبي حنيفة رحمه الله، والصحيح أنه ليس له ذلك؛ لأن هذا قضاء بالظاهر، فيجب