والأب ينكر ذلك كان القول قوله، والمعنى في ذلك: أن الأصل يصرف الإنسان لنفسه، فالأب بإنكار الوكالة متمسك بما هو الأصل، فكان القول قوله فكذا ههنا.
رجل ادعى على آخر أنه كان لفلان عليك كذا وكذا، وقد مات فلان، وصار ماله عليك ميراثاً لي، وقال المدعى عليه: أنا أوفيته هذا المال المدعى، وذهب ليأتي بالبينة فلم يأت ثم إن المدعي أعاد دعواه ثانياً في مجلس آخر فقال المدعى عليه: لا علم لي ... أبيك سمع ذلك منه.
وفي «واقعات الناطفي» : إذا أقام البينة على عبد في يدي رجل أنه كان عبده، وأنه كان في يده منذ سنة حتى اغتصبه هذا الذي هو في يديه، وأقام ذو اليد البينة أنه عبده منذ عشرين سنة، فهو لمن في يديه؛ لأن بينته أسبق تاريخاً.
وفي «العيون» : تنازعا في شيء فأقام أحدهما البينة أنه كان في يده منذ شهر، وأقام الآخر بينة أنه في يده الساعة، أقره القاضي في يد مدعي الساعة؛ لأن يد الآخر منقضية واليد المنقضية لا عبرة لها عند أبي حنيفة ومحمد، ولو أقام أحدهما بينة أنه في يده منذ شهر، وأقام الآخر بينة أنه في يده منذ جمعة قضى به لمدعي الجمعة.
وفي «العيون» : رجل في يديه أرض لغيره أجرها، وقال رب الأرض للآجر: أجرتها بأمري، وقال الآجر: غصبتها منك، ثم أجرتها فالقول قول رب الأرض، لأن الأصل أن يكون بدل منافع الأعيان لمالك الأعيان، فالآجر بدعوى الغصب أولاً يدعي ذلك لنفسه، ولو بنى فيها ذو اليد ثم أجرها، فقال رب الأرض: أمرتك أن تبني فيها لي وتؤجرها، وقال ذو اليد: غصبتها منك وبنيتها، ثم أجرتها يقسم الآجر على الأرض ببينته وعلى الأرض ثلاثياً، فما أصاب الأرض فهو لصاحب الأرض وما أصاب البناء فهو لذي اليد، لأن القول في البناء لذي اليد إذ الأصل أن يعمل الإنسان لنفسه، فرب الأرض يدعي خلاف ما هو الأصل، ولو قال صاحب الأرض: غصبتها مني ببينة، فالقول قوله وإن أقاما البينة فبينة الغاصب أولى.
ولو قال لغيره: غصبت منك ألفاً وربحت فيها عشرة آلاف، وقال المقر له: لا بل أمرتك به فالقول للمقر له، ولو قال المقر له: بل غصبت الألف والعشرة آلاف فالقول للمقر، ولو قال: غصبت منك ثوباً وقطعته وخطته بغير أمرك، وقال المقر له: بل غصبتني القميص أو قال: بل أمرتك بخياطته فالقول للمقر.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : في نهر لرجل إلى جنبه مسناة وأرض لرجل خلف المسناة، متصل بها ادعى صاحب النهر أن المسناة له وادعى صاحب الأرض أن المسناة له، فهذه المسألة على وجهين:
إما إن كانت المسناة في يد أحدهما بأن كان غرس أحدهما أو زرع أحدهما عليها، وفي هذا الوجه يقضى بالمسناة لصاحب النهر عند