القضاء على حسب ما ظهر وقد ظهر أن المسناة لصاحب الأرض، ولصاحب النهر حق إلقاء الطين عليه وهو نظير ما قلنا في مسألة الحائط إذا قضي به لصاحب التربيع لا يؤمر صاحب الجذع برفع الجذع، والفقه ما ذكرنا أن الظاهر لا يصلح لإبطال حق الغير على الغريم.
ثم ذكر في الكتاب: أن على قولهما يقضى بالمسناة لصاحب النهر، ولم يتعين أنه بأي مقدار يقضى له، وقد اختلف المشايخ فيه: بعضهم قالوا: يجعل له بقدر ما يمر عليه رجل واحد، وعن أبي يوسف في «النوادر» : أنه يمسح بطن النهر فيجعل له من كل جانب مثله.
وثمرة الخلاف المذكور في هذه المسألة لا تظهر في هدم المسناة فإن المسناة وإن كانت لصاحب الأرض عند أبي حنيف فليس له هدمها دفعاً للضرر عن صاحب الماء، فإنه لا يتمكن من إجراء الماء فيه بدون المسناة، وإنما تظهر ثمرة الخلاف في شيئين في ولاية الغرس على المسناة، عند أبي حنيفة رحمه الله ولاية الغرس لصاحب الأرض وعندهما لصاحب النهر، والثاني: أنه إذا كان على المسناة أشجار ولا يدري من غرسها، فعلى قول أبي حنيفة: الأشجار لصاحب الأرض، وعندهما لصاحب النهر.
ثم إن أبا حنيفة فرق بين المسناة وبينما إذا حفر الرجل في داره بئراً، وهو مما يضر بدار جاره، فإنه لا يمنع عن ذلك، وقال في مسألة المسناة: إذا تصرف صاحب الأرض في المسناة تصرفاً يتضرر به صاحب النهر بعد الهدم يمنع عنه، وفي الموضعين جميعاً حصل متصرفاً في خالص ملكه.
والفرق: أن هدم المسناة ليس بانتفاع المثل بالمسناة، لأن الانتفاع بالمسناة الزراعة وغرس الأشجار لا الهدم، ومن انتفع بملكه انتفاعاً لا ينتفع بمثله عن ذلك وإذا تعدى إلى ملك الغير صار ضامناً كما لو سقى أرض نفسه سقياً غير معتاد، فأما إذا حفر البئر في داره انتفع بالدار انتفاع مثله، ومن انتفع بملكه انتفاع مثله لا يمنع عنه، وما يتولد منه لا يكون مضموناً عليه كما إذا سقى أرض نفسه سقياً معتاداً.
بقي ههنا فصل آخر، أن صاحب الأرض إذا أراد أن يمنع صاحب النهر عن المرور على المسناة، هل له ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله؟ بعض مشايخنا قال: ليس له ذلك، وبعضهم قالوا: له ذلك إذا لم يكن فيه ظاهر ضرر وهو الأشبه والله أعلم.
هذا الفصل يشمل على أنواع أيضا
الأول: في دعوى الخارج مع ذي اليد:
قال محمد رحمه الله في «الأصل:» إذا ادعى الرجل دابة في يد إنسان أنها ملكه