للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر بخلاف ما لو أقر به لأحدهما، فإن هناك القاضي يقضي بالعين للمقر له، وفي النكول قال: لا يقضي للذي نكل له، والفرق: أن الإقرار حجة موجبة الحق بنفسه لا تتوقف على قضاء القاضي، فحين أقر به للأول فقد ثبت الحق للأول فيؤمر بالتسليم إليه، فأما النكول لا يوجب الحق بنفسه بل يتوقف على قضاء القاضي، فإن القاضي بالقضاء به له مقراً أو ناكلاً على حسب ما اختلفوا فيه، فحين نكل للأول لم يثبت الحق بنكوله بل يتوقف على القضاء ولا يمكن للقاضي القضاء للأول ما لم يستحلفه للثاني.

فلو أنه قضى للذي نكل له أولاً مع أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك نفذ قضاؤه؛ لأنه حصل في محل مجتهد فيه، فإن الموضع موضع اشتباه الدليل؛ لأن النكول إقرار؛ ولأنه من العلماء من قال يجوز للقاضي، نكل أو لا، وهو مروي عن أبي يوسف رحمه الله.

ولو نكل لهما فهو على وجهين إما إن نكل لهما جملة بأن حلفه القاضي لهما يميناً واحدة كما هو قول بعض المشايخ، أو نكل لهما على التعاقب، فإن حلف القاضي لكل واحد منهما يميناً على حدة، كما هو قول المشايخ والحكم في الوجهين واحد، وإنما كان الحكم في الوجهين واحد؛ لأن النكول ليس بحجة في نفسه، وإنما يصير حجة بقضاء القاضي وحال ما يقضي القاضي فقد اجتمع النكولان، فكأنه نكل لهما جملة.

جئنا إلى بيان الحكم فنقول:

في دعوى الملك المطلق، القاضي يقضي بالعين بينهما.

وفي دعوى الغصب القاضي يقضي بالعين بينهما وبقيمة العين بينهما، ولا يضمن شيئاً من قيمة العبد لا لهما ولا لأحدهما، والفرق: وهو أن الإقرار حجة في نفسه لا يبنى على الدعوى ولهذا يصح قبل الدعوى، فإذا أقر بغصب العبد منهما فقد أقر بغصب النصف من كل واحد منهما، فإذا دفع العبد إليهما فقد وصل إلى كل واحد منهما نصف العبد فلا يلزمه شيء آخر، فأما النكول يبنى على الدعوى فكل واحد من المدعيين ادعى لنفسه جميع العبد فيكون نكوله لكل واحد منهما في جميع العبد فاستحق كل (٩٧أ٤) واحد منهما عليه جميع العبد ولم يصل إلى كل واحد منهما نصف العبد معنى.

وفي دعوى الوديعة القاضي يقضي بالعبد لهما ولا يقضي بشيء من قيمة العبد عند أبي يوسف، وعند محمد رحمه الله: يقضي بقيمة العبد بينهما كما في دعوى الغصب.

ولو أن رجلاً في يديه عبد ورثه من أبيه جاء رجل وادعى أن هذا العبد عبده أودعه أباه الميت وأنكر صاحب اليد، فإنه يستحلف صاحب اليد على دعواه ولكن يستحلف على العلم وهذا ظاهر، فإن حلف برأ وإن نكل قضى به عليه، ثم إذا قضى به عليه وأمر بالتسليم إلى المدعي وسلم جاء رجل وادعى بمثل ما ادعاه الأول، وأراد أن يستحلف المدعى عليه ليس له ذلك.

فرق محمد رحمه الله بين هذه المسألة وبينما إذا ادعى كل واحد من المدعيين أنه أودعه من صاحب اليد، واستحلف الأول فنكل له فإنه يستحلف للثاني عند محمد رحمه

<<  <  ج: ص:  >  >>