وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنَ النَّقْلِ الشَّاذِّ الَّذِي لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَجَازٌ.
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِي كُلِّ اسْمٍ فَرْدٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: جَاءَنِي الرَّجُلُ الْعُلَمَاءُ وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ وَإِنْ أَمْكَنَ نَعْتُهُ بِالْجَمْعِ، فَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّمَا هُوَ جِنْسُ الدِّينَارِ وَجِنْسُ الدِّرْهَمِ لَا جُمْلَةُ الدَّنَانِيرِ وَجُمْلَةُ الدَّرَاهِمِ.
وَحَيْثُ كَانَ الْهَلَاكُ بِجِنْسِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لِأَمْرٍ مُتَحَقِّقٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ جَازَ نَعْتُهُ بِالْجَمْعِ، نَظَرًا إِلَى اقْتِضَاءِ الْمَعْنَى لِلْجَمْعِ، لَا نَظَرًا إِلَى اقْتِضَاءِ لَفْظِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ.
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ فَهُوَ مَجَازٌ.
وَلِهَذَا لَمْ يَطَّرِدْ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ إِلَّا الْعُلَمَاءَ وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَالِحًا لِلِاسْتِغْرَاقِ لَأَمْكَنَ مَعَ اتِّحَادِهِ أَنْ يُؤَكَّدَ (بِكُلٍّ) وَ (جَمِيعٍ) كَمَا فِي (مَنْ) فِي قَوْلِكَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: جَاءَنِي الرَّجُلُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (١) ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَدَفْعُهُ بِمَنْعِ الْحَصْرِ فِيمَا قِيلَ، بَلِ الْقَائِلُ ثَلَاثَةً، وَالثَّالِثُ هُوَ الْقَائِلُ بِالتَّفْصِيلِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْمِيمِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: رِجَالٌ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ عَدَدٍ عَلَى خُصُوصِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ فَمُسَلَّمٌ.
، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا هُوَ الْأَخَصُّ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.
وَعَلَى هَذَا فَقَدَ بَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ كَانَ حَمْلًا لَهُ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ، ضَرُورَةَ اتِّحَادِ مَدْلُولِهِ.
الثَّانِي: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ عَدَدٍ بِخُصُوصِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَيْقَنًا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ بَيَانُ إِرَادَةِ الْبَعْضِ عَيْنًا أَنْ لَوْ كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ.
(١) هَذَا لَا يَصِحُّ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ بِإِفَادَةِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمَجْمُوعِ لِلْعُمُومِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ دُونَ الْمُفْرَدِ