للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرُوفًا، فَخِلَافُهُ يَكُونُ مُنْكَرًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِذَا نَهَوْا عَنْ شَيْءٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا، أَوْ مَعْرُوفًا لَا جَائِزًا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا، وَإِلَّا لَكَانُوا آمِرِينَ بِهِ ضَرُورَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعُمُومِ لَا نَاهِينَ عَنْهُ.

وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا فَخِلَافُهُ يَكُونُ مَعْرُوفًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ لِلِاسْتِغْرَاقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ عَامَّةً فِي الْأَمْرِ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَلَا النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ.

سَلَّمْنَا أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: (كُنْتُمْ) يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ مُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْمَاضِي وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اتِّصَافُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ، بَلْ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ اتِّصَافِهِمْ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ نَظَرًا إِلَى قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا وُجِدَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَنَهْيِهِمْ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.

سَلَّمْنَا اتِّصَافَهُمْ بِذَلِكَ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَامَتِهِمْ لِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَعَلَى هَذَا، فَمَا وُجِدَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَنَهْيِهِمْ مِمَّا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ حُجَّةً أَوْ فِي غَيْرِهَا.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، لَكِنَّهُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْكُلِّ، لَكِنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ خِلَافَ ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ بَعْضَ الْأُمَّةِ فَذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مَعْلُومٍ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً.

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْعُمُومَاتِ، كَيْفَ وَأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي مَعْرِضِ التَّعْظِيمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَمْيِيزِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ؟ فَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَتْ بِالْمَعْرُوفِ كَاتِّبَاعِ أَنْبِيَائِهِمْ وَشَرَائِعِهِمْ، وَنَهَتْ عَنِ الْمُنْكَرِ كَنَهْيِهِمْ عَنِ الْإِلْحَادِ وَتَكْذِيبِ أَنْبِيَائِهِمْ.

وَعَنِ الثَّانِي، إِنَّهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ (كَانَ) هَاهُنَا زَائِدَةً أَوْ تَامَّةً أَوْ زَمَانِيَّةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>