للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامًا (١) فَإِنَّهُ جَعَلَ (كِرَامًا) نَعْتًا لِلْجِيرَانِ وَأَلْغَى (كَانَ) فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى اتِّصَافِهِمْ بِذَلِكَ حَالًا، لَا فِي الْمَاضِي وَإِنْ أَفَادَتْ نَصْبَ {خَيْرَ أُمَّةٍ} كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} .

وَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَالْحُدُوثِ، وَيُكْتَفَى فِيهَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ لَا خَبَرَ فِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} مَعْنَاهُ حَضَرَ أَوْ وَقَعَ ذُو عُسْرَةٍ، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإِنَّ الشَّيْخَ يَهْدِمُهُ الشِّتَاءُ

فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أَيْ: وُجِدْتُمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: {خَيْرَ أُمَّةٍ} نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى اتِّصَافِهِمْ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ لَا فِي الْمَاضِي.

وَإِنْ كَانَتْ زَمَانِيَّةً وَهِيَ النَّاقِصَةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ، فَكَانَ، وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْمَاضِي فَقَوْلُهُ: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} يَقْتَضِي كَوْنَهُمْ كَذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ التَّعْظِيمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الَّذِي قَبْلَهُ (٢) .

وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ قَوْلَهُ: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فِعْلٌ مُضَارِعٌ صَالِحٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ.

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِيهِمَا عَلَى الْعُمُومِ نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ.

وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ إِذَا سُلِّمَ كَوْنُ الْآيَةِ حُجَّةً فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافٍ (٣) إِذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ النِّزَاعِ.


(١) الصَّوَابُ: كِرَامٍ، بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِجِيرَانٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ كَانَ نَاقِصَةً، فَتَكُونُ جُمْلَتُهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ، أَمْ كَانَتْ تَامَّةً أَمْ زَائِدَةً، فَتَكُونُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ فَاعِلِهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ.
(٢) هَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ، فَكَانَ نَاقِصَةٌ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ شَأْنَ كُلِّ جَمَاعَةٍ فِي عَصْرِهَا الْأَمْرُ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ.
(٣) أَيْ: فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ مَنْ لَا يَرَى حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، لَكِنْ تَبْقَى الْآيَةُ دَلِيلًا لِلْمُسْتَدِلِّ عَلَى حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَقَطْ دُونَ إِجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِذَنْ لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ أَيْضًا مُطَابِقًا لِدَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>