للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُمْ: الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لَا يَبْقَى حُجَّةً سَنُبْطِلُهُ فِيمَا يَأْتِي (١) .

وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ، فَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِكَوْنِهِمْ عُدُولًا وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَقِيقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِالْخَفِيَّاتِ فَإِنَّ الْحَكِيمَ إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ شَخْصٍ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُخْبِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ.

وَجَوَابُ السَّادِسِ، أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ وَصْفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ مِمَّا يَرَوْنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ صِدْقُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا لَمَا كَانُوا عُدُولًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِذَا كَانُوا صَادِقِينَ فِيهِ فَهُوَ صَوَابٌ لِكَوْنِهِ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ» " (٢) وَإِذَا كَانَ صَوَابًا كَانَ خِلَافُهُ خَطَأً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَجَوَابُ السَّابِعِ، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى حَمْلِ لَفْظِ الْأُمَّةِ عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِمَا سَبَقَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَلَا عَلَى مَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ أَقْوَالَهُمْ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهَا فِي زَمَنِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَاتَ بَعْدَ الْخِطَابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فَائِدَةٌ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ كَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ (٣) .

الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ) وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ عَمَّتْ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَمُقْتَضَى صِدْقِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ أَمْرُهُمْ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَنَهْيُهُمْ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، فَإِذَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا أَوْ مُنْكَرًا، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا وَإِلَّا لَكَانُوا نَاهِينَ عَنْهُ ضَرُورَةَ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا آمِرِينَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ


(١) سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ.
(٢) هُوَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
(٣) اعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ فِي " نِهَايَةِ السُّولِ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْأُصُولِ " عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِآيَةِ " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ. . . " إِلَخْ. بِأَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي ; لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُنَافِي صُدُورَ الْبَاطِلِ نِسْيَانًا وَغَلَطًا. . . إِلَخْ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>