. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ، مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا أُمِرَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ، لَا نَفْسِ الذَّبْحِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَلَاءً مُبِينًا، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّاهُ بَلَاءً مُبِينًا، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ هَذَا لَهْوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصَّافَّاتِ: ١٠٦، ١٠٧] .
قُلْتُ: حُسْنُ التَّرْتِيبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلَ ; فَيُقَالُ هَكَذَا: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ، لَمَا كَانَ بَلَاءً مُبِينًا، وَلَمَا احْتَاجَ إِلَى فِدَاءٍ لِأَنَّ تَرْتِيبَ أَسْئِلَةِ الْخَصْمِ هَكَذَا، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» عَلَى تَرْتِيبِ مَا فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إِجْمَالِيٌّ عَامٌّ، وَفِيهِ بَعْضُ التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ التَّفْصِيلِيُّ - فَنَقُولُ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: اجْتِمَاعُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ ; فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: اجْتِمَاعُهُمَا مُحَالٌ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي حَالَيْنِ؟ الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ حَسَنٌ قَبْلَ النَّسْخِ، وَأَمَّا بَعْدُهُ ; فَهُوَ قَبِيحٌ، وَاتِّصَافُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي وَقْتَيْنِ لَيْسَ بِمُحَالٍ، ثُمَّ إِنَّ حُسْنَهُ وَقُبْحَهُ عِنْدَنَا شَرْعِيٌّ، أَيْ: مُسْتَفَادٌ مِنَ الشَّرْعِ، لَا عَقْلِيٌّ كَمَا تَزْعُمُونَ، وَكَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا، لِئَلَّا نُطْلِقَ لَفْظَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ ; فَيُظَنُّ أَنَّا نَقُولُ بِهِمَا عَقْلًا، كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَقُولُ بِهِمَا شَرْعًا، كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ.
وَالْجَوَابُ «عَنِ الْبَاقِي» ، أَيْ: عَنْ بَاقِي مَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ أَسْئِلَتُهُمْ عَلَى قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ نَقُولَ: قَوْلُكُمْ: قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ مَنَامًا لَا أَصْلَ لَهُ - بَاطِلٌ ; لِأَنَّ «مَنَامَ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ; فَإِلْغَاءُ اعْتِبَارِهِ» ، أَيْ: كَوْنُكُمْ لَا تَعْتَبِرُونَهُ، وَتُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ «تَهَجُّمٌ» عَلَى الْوَحْيِ بِالْإِبْطَالِ، «لَا سِيَّمَا» ، أَيْ: خُصُوصًا «مَعَ تَكَرُّرِهِ» فِي قِصَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute