. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِأَنَّهُمْ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي أَنَّ ثَمَّ حُكْمًا مُعَيَّنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا، فَهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الِاجْتِهَادِ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَأَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَالنِّزَاعُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَفْظِيٌّ.
الثَّانِيَةُ: الْمُخْتَارُ: الْقَوْلُ بِالتَّصْوِيبِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَخْبَارِ الْآحَادِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ» وَنَحْوِهِ، لَكِنْ قَدْ يَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ يَتَأَوَّلُ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى التَّصْوِيبِ أَنَّ الْمُصَلِّينَ إِلَى جِهَاتٍ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ لَا يُعِيدُونَ عِنْدَنَا، وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ، وَسَاعَدَهَا النَّصُّ. وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ بِالتَّصْوِيبِ يَنْبَنِي عَلَى أُصُولٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الظَّنِّيَّةَ إِضَافِيَّةٌ، لَا حَقِيقَةٌ قَطْعِيَّةٌ، أَيْ: يَكُونُ الْحَدِيثُ مَثَلًا أَوْ غَيْرُهُ دَلِيلًا عِنْدَ شَخْصٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدَّلِيلُ حَقِيقِيًّا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَطْلُوبٌ مُتَعَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ.
الثَّانِي: مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ إِضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ، كَالْكَيْلِ عِلَّةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالطَّعْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْكَلَامُ كَمَا سَبَقَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ لِلْمُجْتَهِدِ هُوَ حُكْمٌ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حُكْمًا بِالْفِعْلِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمٌ بِالْفِعْلِ غَلِطَ، وَقَالَ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِ التَّصْوِيبِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَحْكَامَ - كَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ - لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ الذَّوَاتِ، حَتَّى يَسْتَحِيلَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَلَالًا حَرَامًا، بَلْ هِيَ إِضَافِيَّةٌ، فَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute