الْأَوَّلُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} وَلَوْلَا تَعَيُّنُ الْحَقِّ فِي جِهَةٍ لَمَا خُصَّ بِالتَّفْهِيمِ، وَلَوْلَا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُخْطِئِ لَمَا مُدِحَ دَاوُدُ بِـ كُلًّا آتَيْنَا.
الثَّانِي: لَا غَرَضَ لِلشَّارِعِ فِي تَعْيِينِ حُكْمٍ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ تَعَبُّدُ الْمُكَلَّفِ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ الظَّنِّيِّ، وَطَلَبُ الْأَشْبَهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ أُجِرَ أَجْرَيْنِ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ أُجِرَ لِلِاجْتِهَادِ، وَفَاتَهُ أَجْرُ الْإِصَابَةِ، وَتَخْصِيصُ سُلَيْمَانَ بِالتَّفْهِيمِ لِإِصَابَتِهِ الْأَشْبَهَ، لَا لِأَنَّ ثَمَّ حُكْمًا مُعَيَّنًا هُوَ مَطْلُوبُ الْمُجْتَهِدِ.
ــ
قَوْلُهُ: «الْأَوَّلُ» ، أَيِ: احْتَجَّ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إِنَّ الْحَقَّ فِي قَوْلِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٨ - ٧٩] وَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا، «لَمَا خُصَّ» سُلَيْمَانُ «بِالتَّفْهِيمِ» ، إِذْ كَانَ يَكُونُ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ، «وَلَوْلَا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُخْطِئِ، لَمَا مُدِحَ دَاوُدُ» عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٩] ، لِأَنَّ الْمُخْطِئَ لَا يُمْدَحُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي قَوْلِ مُجْتَهِدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّ الْمُخْطِئَ فِي الْفُرُوعِ غَيْرُ آثِمٍ.
قَوْلُهُ: «الثَّانِي» ، أَيْ: احْتَجَّ الثَّانِي وَهُوَ الْقَائِلُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حُكْمٌ مَقْصُودٌ، بَلِ الْمَقْصُودُ مَا أَدَّى إِلَيْهِ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ؛ بِأَنْ قَالَ: «لَا غَرَضَ لِلشَّارِعِ فِي تَعْيِينِ حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ» لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute