. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُهُ: " وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمُ الْمُنَاسَبَةَ " إِلَى آخِرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ اخْتَلَفُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْفَاءِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، كَمُنَاسَبَةِ الزِّنَا لِلرَّجْمِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا؟ وَالْكَلَامُ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَلِكَ عَامٌّ فِيمَا إِذَا كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ غَيْرَ مُنَاسِبٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، إِذْ لَوْ لَمْ تُشْتَرَطْ مُنَاسَبَتُهُ، " لَفُهِمَ مِنْ " قَوْلِنَا: " صَلَّى " زِيدٌ " فَأَكَلَ " أَنَّ الصَّلَاةَ سَبَبٌ لِلْأَكْلِ، لَكِنَّهُ بَاطِلٌ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ شَرْطًا.
وَالْجَوَابُ: لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ وَلَا الْعُرْفِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أُكْرِمُ الْجُهَّالَ وَأَهِنُ الْعُلَمَاءَ ; نَفَرَ مِنْ كَلَامِهِ كُلُّ عَاقِلٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ سَبَبِيَّةَ الْعِلْمِ لِلْإِهَانَةِ وَالْجَهْلِ لِلْإِكْرَامِ، وَهُوَ مِمَّا تَأْبَاهُ الْعُقُولُ.
وَقَوْلُكُمْ: صَلَّى زَيْدٌ فَأَكَلَ، وَأَكَلَ مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَبَاعَ الْأَعْرَابِيُّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقَامَ النَّبِيُّ فَسَجَدَ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ; حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّكُمْ إِنَّمَا أَنْكَرْتُمُوهُ بِنَاءً عَلَى فَهْمِ سَبَبِيَّةِ مَا لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ، إِذْ لَوْ لَمْ تَفْهَمُوا السَّبَبِيَّةَ لَمَا أَنْكَرْتُمْ هَذَا الْكَلَامَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: صَلَّى فَأَكَلَ، سَبَبِيَّةَ الصَّلَاةِ لِلْأَكْلِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عَقْلًا، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ; إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي إِفَادَةِ الْكَلَامِ السَّبَبِيَّةَ لُغَةً، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، إِذْ لَوْ رُوِيَ لَنَا مِنْ وَجْهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute