للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: دَلَالَةُ تَخْصِيصِ شَيْءٍ بِحُكْمٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ نَحْوَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ، {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} ، «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» ، وَهُوَ حُجَّةٌ إِلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ.

لَنَا: تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا مَعَ اسْتِوَائِهِمَا عِيٌّ، إِذْ هُوَ عُدُولٌ عَنِ الْأَخْصَرِ وَتَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَإِبْطَالٌ لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ.

قَالُوا: فَائِدَتُهُ تَوْسِعَةُ مَجَارِي الِاجْتِهَادِ لِنَيْلِ فَضِيلَتِهِ وَتَأْكِيدُ حُكْمِ الْمَخْصُوصِ بِالذِّكْرِ، لِشِدَّةِ مُنَاسَبَتِهِ، أَوْ سَبَبِيَّتِهِ، أَوْ وُقُوعِ السُّؤَالِ عَنْهُ، أَوِ احْتِيَاطًا لَهُ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ عَنِ الْحُكْمِ وَنَحْوِهِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِمَا ذَكَرْتُمْ.

قُلْنَا: جَعْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِهِ تَكْثِيرًا لَهَا - أَوْلَى، وَأَيْضًا إِجْمَاعُ الْفُصَحَاءِ وَالْعُقَلَاءِ عَلَى فَهْمِ مَا ذَكَرْنَاهُ، كَقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ: مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ؟ وَقَوْلِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: مَا لَنَا نَقْصُرُ، وَقَدْ أَمِنَّا؟ وَوَافَقَهُ عُمَرُ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ: «لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبَرَانِسَ» ، يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ جَوَابًا.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ إِذَا نَامَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا أَكَلَ حَرَّكَ فَكَّيِهِ - لَسَخِرَ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْهُ وَضَحِكَ عَلَيْهِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الشَّافِعِيَّةُ أَوِ الْحَنَابِلَةُ فُضَلَاءُ، أَوْ عُلَمَاءُ، أَوْ زُهَّادٌ - لَاغْتَاظَ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ اللَّفْظِيِّ عَلَى التَّخْصِيصِ الْمَعْنَوِيِّ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>