فَأَما التَّغَيُّر إِلَى الْبُرْء أَو إِلَى الْمَوْت بعد أَن لَا يكون ضَرْبَة لَكِن قَلِيلا قَلِيلا فَلَا يتبعهُ استفراغ وَلَا جهد وَلَا شدَّة. وَرُبمَا كَانَت الْأَشْيَاء تنْقَلب بهَا حَال الْمَرِيض إِلَى الْجَوْدَة البهتة الْكَثِيرَة أَو إِلَى الرداءة فذانك بحرانان تامان وَهَذَانِ ناقصان إِلَّا أَن الَّذِي تنْقَلب الْحَال فيهمَا إِمَّا إِلَى كَمَال الْجَوْدَة وَإِمَّا بَعْضهَا جيدا وَالْآخر رديئا.)
وَأما الَّذِي يخرج إِلَى الْمَوْت أَو إِلَى الصِّحَّة قَلِيلا قَلِيلا فَلَا أُسَمِّيهِ بحرانا لَكِن أسمي الَّذِي يؤول قَالَ: وَقد يَنْقَلِب الْمَرَض إِلَى الرداءة صنف آخر يكون من غير جهد شَدِيد وَلَا استفراغ بَين وَلَا خراج.
لي: هَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الذبول.
لي: جملَة هَذَا الْكَلَام التَّغَيُّر إِلَى الْجَوْدَة ثَلَاثَة أَصْنَاف: إِمَّا ضَرْبَة وَهُوَ بحران كَامِل وَإِمَّا شَيْء كَامِل ثمَّ قَلِيلا قَلِيلا وَهُوَ بحران نَاقص وَإِمَّا قَلِيلا قَلِيلا وَهُوَ تحلل الْمَرَض.
وَكَذَلِكَ التَّغَيُّر إِلَى الرداءة: إِمَّا ضَرْبَة وَهُوَ بحران كَامِل رَدِيء وَإِمَّا شَيْء بَين وَهُوَ بحران رَدِيء نَاقص وَإِمَّا قَلِيلا قَلِيلا. وَهُوَ ذبول.
قَالَ: فِي الْأَمْرَاض الرَّديئَة لَيْسَ يجب ضَرُورَة أَن يَأْتِي بحران جيد وَلَا رَدِيء لِأَن الْمَرَض إِذا غلب على الطبيعة غَلَبَة شَدِيدَة لم ترم الطبيعة الْبَتَّةَ مقاومته.
لي: هَذِه هِيَ الْعلَّة فِي أَنه يكون موت فجيء بِلَا استفراغ لِأَن الاستفراغ إِنَّمَا يكون إِذا تجردت الطبيعة لدفع شَيْء عَن الْبدن.
قَالَ: فَلذَلِك لم يبرأ أحد قطّ من مرض وَاحِد دفْعَة إِلَّا ببحران وَخلق كثير يَمُوت دفْعَة بِلَا بحران وَأكْثر هَؤُلَاءِ يموتون فِي أول نَوَائِب الْحمى لَا سِيمَا من كَانَ سَبَب هَلَاكه كَثْرَة الْمَادَّة أَو غلظها أَو عظم ورم فِي بَاطِن الْبدن وَقد يَمُوت قوم مِنْهُم فِي وَقت انحطاط الْحمى وَإِنَّمَا يعرض هَذَا لمن قوته سَاقِطَة وَلذَلِك تَجِد كثيرا من المرضى يَمُوت فِي انحطاط الْمَرَض الجزئي أَعنِي فِي انحطاط النوائب.
وَمن هَهُنَا قد حسب قوم أَنه قد يُمكن أَن يَمُوت الْمَرِيض فِي الانحطاط الْكُلِّي أَيْضا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَرَض لم يكن ينحط إِلَّا بِغَلَبَة الطبيعة لَهُ وَلَيْسَ يُمكن أَن يَأْتِي الْمَوْت حِينَئِذٍ بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا بخطأ يَقع وَلَيْسَ قصدنا النّظر فِي الَّذِي يَقع فِيهِ الْخَطَأ. وَمَا رَأَيْت هَذَا قطّ كَانَ وَأما فِي الانحطاط الجرئي فقد رَأَيْت خلقا كثيرا مَاتُوا.
وَذَلِكَ أَن الْبدن يكون فِي الِابْتِدَاء متماسكا كَأَنَّهُ منضم فَإِذا جَاءَهُ وَقت الانحطاط تحركت الْحَرَارَة من الْوسط إِلَى الْأَطْرَاف على الْعَادة واسترسل الْبدن واسترخى فانحلت الْقُوَّة عِنْد ذَلِك وفنيت وَمن هَؤُلَاءِ قوم يموتون بَغْتَة حَتَّى أَنه يظنّ بهم من حضرهم أَنما هُوَ غشي.
وَمِنْهُم من يبتديء قَلِيلا قَلِيلا مُنْذُ أول النّوبَة وَفِي هَذَا الانحطاط يزْدَاد النبض ضعفا