فَأَما علاج الحميات الدائمة فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُجَاوز السَّابِع أَو نَحوه وَالْقُوَّة قَوِيَّة وَالسّن مُحْتَملَة فدبرهم بِالتَّدْبِيرِ الَّذِي فِي غَايَة اللطافة والأستقصاء وَمَا يُجَاوز مِنْهَا منتهاه السَّابِع وَالْقُوَّة غير قَوِيَّة فدبره فِي الأبتداء تدبيراً غليظاً فَإِذا دنى الْمُنْتَهى فدبره بألطف التَّدْبِير ثمَّ عد فِي الأنحطاط إِلَى تَدْبِير أغْلظ قَلِيلا وَاجعَل مَرَاتِب التَّدْبِير فِي تَغْلِيظ الْغذَاء على مِثَال مَرَاتِب التنقص فِيهِ قبل مُنْتَهى الْعلَّة.
وَأما الفصد فاستعماله إِذا كَانَ الْمَرَض عَظِيما وَمَتى رَأَيْت فِي الْبدن الْحمرَة أَزِيد مِمَّا كَانَت فِي الصِّحَّة وَكَانَ يحس بثقل فِي الْبدن كُله بِخِلَاف الْعَادة وَالْعُرُوق دارة ممدودة فَحِينَئِذٍ استفرغ الدَّم إِلَّا أَن يمْنَع ضعف الْقُوَّة وَغَيره وَجَمِيع التَّدْبِير الرطب نَافِع لجَمِيع أَصْحَاب الحميات الحادة أغذية كَانَت أَو غَيرهَا فاغذهم بِمَاء كشك الشّعير إِلَّا من كَانَ يحمض فِي معدته وبماء الْعَسَل إِلَّا من كَانَ يَسْتَحِيل فِي معدته إِلَى المرار وَإِذا غلظ التَّدْبِير أَكثر من ذَلِك فالخبز المغسول وَنَحْوه. وَمَتى كَانَت الْحمى شَدِيدَة الْحَرَارَة والتلهب فَأول ماترى فِيهَا عَلَامَات النضج قد ظَهرت فنق وأقدم على سقِِي أَصْحَابهَا المَاء الْبَارِد ومقداره يكون حسب وَقت السّنة والبلد والطبع وَالْعَادَة فَهَذِهِ جملَة تَدْبِير الحميات الَّتِي لَا أَعْرَاض مَعهَا مقلقة دَاعِيَة إِلَى العلاج لَهَا. فَأَما الحميات الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض مقلقة دَاعِيَة إِلَى علاج فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تفرد الْقَصْد لَكِن خمن وأحدس كم مِقْدَار الْخطر فِي ذَلِك الْعرض وَفِي الْحمى فقاوم أشدهما وأصعبهما وَلَا تغفل الآخر. مِثَال ذَلِك: أنزل أَن رجلا عرضت لَهُ الْحمى وَفِي بدنه امتلاء من الدَّم إِلَّا أَنه قريب الْعَهْد فتحمه ويجد لذَلِك عصراً فِي فَم الْمعدة وَقد تقيأ خلطاً ردياً فأضر ذَلِك بالمواضع الَّتِي مر بهَا مضرَّة عَظِيمَة وقلق لذَلِك)
وَبِه كرب فَانْظُر أينبغي أَن تفصد للحمى فتفرغ ذَلِك الأمتلاء كَمَا كنت تفعل لَو كَانَت الْمعدة عليلة من غير أَن يلْحق علاجك مَكْرُوه أَو تقدم الْعِنَايَة بِفَم الْمعدة. فأذا صلح اسْتعْملت من بعد الأستفراغ الَّذِي تحْتَاج إِلَيْهِ وَأَنا أوثر الثَّانِي فقد رَأَيْت مرضى استفرغوا فِي هَذِه الْحَال قبل تَقْوِيَة الْمعدة فَهَلَك بَعضهم وَبَعْضهمْ أشرف على الْهَلَاك وَمن كَانَ بِهِ مَعَ مثل هَذِه الْحمى ذرب فكفاه الذرب من أَن يستفرغ فَأن كَانَ أقل مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فبحسب امتلائه وَذَلِكَ أَن من ظن بِمن كَانَت هَذِه حَاله أَنه يحْتَاج إِلَى استفراغ أَكثر مِمَّا بِهِ وَتقدم فِي فصده فَأَنَّهُ مشرف مِنْهُ على خطر فادح سريع وَكَذَلِكَ مَتى كَانَ قد عرض للعليل تشنج وَكَانَ يحْتَاج أَن يستفرغ مَعَ ذَلِك فَلَا يستفرغ الدَّم بِمرَّة بِحَسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الأمتلاء الَّذِي فِي بدنه لَكِن يستفرغ مِنْهُ شَيْء بِسَبَب ذَلِك الْعَارِض إِذا كَانَ قد تهيج الْعرق كثيرا ويجلب السهر ويهد الْقُوَّة وَكَذَا مَتى كَانَ العليل قد عرض لَهُ سهر ووجع شَدِيد فاحذر الأستفراغ الْكثير وَمَا يكون مِنْهُ فِي دفْعَة وَيَنْبَغِي أَن تعد مزاج الْهَوَاء إِذا كَانَ شَدِيد الْحَرَارَة اَوْ الْبرد بِمَنْزِلَة عرض من الْأَعْرَاض فتوق أَيْضا أَن تخرج الدَّم فِي شدَّة حر أَو برد فَأَنَّهُ يعرض عَن أخراج دم كثير فِي الْوَقْت الْحَار للمحمومين غشي شَدِيد وَفِي الْأَوْقَات الْبَارِدَة جدا برد شَدِيد فِي أول نوبَة الْحمى مهلك لَا يسخن مَعَه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute