الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ونثني الآن بذكر نماذج من الدخيل في تفاسيرهم؛ ونظرًا لأن تفاسيرهم فيها كثير من الدخيل، فسنكتفي بأربعة نماذج فقط، مع أن الذي يريد المزيد بإمكانه أن يرجع إلى (تفسير الكشاف) للزمخشري أكبر تفاسيرهم؛ فعلى هامشِهِ نرى العلامة ابن المنير له كتاب (الإنصاف ببيان ما في الكشاف من الاعتزال).
النموذج الأول من الدخيل في تفسير المعتزلة عند قوله تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(النساء: ١٦٥) يقولون: العقل كافٍ عن إرسال الرسل. وأما الرسل فإنما جاءوا منبهين للإنسان من غفلته، والإمام الزمخشري في تفسير هذه الآية يقول: فإن قلتَ: كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل، وهم محجوجون بما نصبَهُ الله من الأدلة التي فيها النظر والنظر موصل للمعرفة، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرفوا أنهم رسلُ الله إلا بالنظر فيها.
قال الإمام الزمخشري: الرسل منبهون عن الغفلة وباعثون على النظر، كما يرى علماء أهل العدل والتوحيد -يقصد علماء المعتزلة- مع تبليغ ما حملوه من تفضيل أمور الدين، وبيان أحوال التكليف، وتعليم الشرع ... إلى آخره، وتميمًا لإلزام الحجة؛ لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولًا، فيوقظنا من سنة الغفلة، وينبهنا لما وجب الانتباه له.
ولا شك أن المعتزلة في هذا المبدأ مخطئون محجوجون بصريح الآية الأخرى، وهي قوله:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا}(الإسراء: ١٥).