للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم يقال له: ألم تعد في أمثلة الكناية قول النبي للحادي بالحث: "رفقا بالقوارير" يعني النساء؟ وقول عبد الله بن سلام لمن رأى عليه ثوبا معصفرا "لو أن ثوبك في تنور أهلك أو تحت قدورهم لكان خيرا" وقول الشاعر:

إن لم تكن نصلا فغمد نصال١.

يعني امرأة هلكت، فهل هذه المواضع مما يتجاذبها الجانبان، ويجوز حملها على كل واحد منهما؟ وهل يتوهم عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أنجشة أن يرفق بالزجاج؟ وأن عبد الله بن سلام أمر صاحب الثوب المعصفر أن يحرق ثوبه؟ والبيت الشعري أبعد؛ لأن المرأة إنسان، والإنسان لا يكون غمدا للسيف؛ لأن الحيوان لا يكون جمادا، فإن جاز أن تكون هذه المواضع كنايات مع أن الأذهان لا تحملها إلا على محمل واحد، ولا يسوغ حملها على غيرها جاز أن يكون قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ٢ وقول الشاعر:

"ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب"

كناية، وإن كان لا يجوز حمله على كلا المحملين، وإلا فما الفرق؟

ثم يقال: أهذا الاستدلال هو استدلال على أن الكناية هي ما جاز حمله على واحد من محملي الحقيقة والمجاز، أم على الكناية لا بد أن يتجاذبها جانبا حقيقة ومجاز، مع قطع النظر عن جواز الحمل عليهما وعدم جوازه؟ فإن أردت الأول فالاستدلال لا يماثل ذلك بحال، ولا تعلق له به، وإن أردت


١ راجع التعليق في: ٣/ ٧٠.
٢ سورة إبراهيم: ٤٦.

<<  <   >  >>