للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهو مع ذلك مخالف للحس والوجدان، فالآية الثانية الواردة بلفظة ثم غنية عن التأويل محكمة واضحة؛ لأن لفظة ثم واقعة موقعها.

فإنا إذا استقبحنا على سياق كلامه أن يقول قام زيد يوم السبت، فقام عمرو يوم الأحد، لأجل أن بينهما يوما واحدا، وأوجبنا أن يقول ثم قام عمرو يوم الأحد، وجعلنا مدة اليوم فقط مهلة وتراخيا يليق أن يؤتى بثم لأجلها، فالأولى أن يؤتى بثم في أطوار الخلقة التي لا ينتقل طور منها إلى طور آخر إلا في الأيام الطويلة التي تتجاوز الشهر.

فأما قوله: ولما صار إلى جعله ذكرا أو أنثى وهو آخر الخلق عطفه بثم، فنقول له: أين في الآية ذكر جعله ذكرا وأنثى؟ فإن كنت تعني قوله "ثم أنشأناه خلقا آخر" فإن تقسيم الحيوان المخصوص إلى ذكر أو أنثى ما كان في آخر المراتب كما يتوهم، بل إما في أول التكوين وابتداء الأطوار على ما يعتقده قوم، أو عند جعله عظاما ولحما؛ لأنه لا يغيره أن يجعله لحما وعظاما فيكون إنسانا كاملا ومع ذلك فليس بذكر أو أنثى.

فالذي سبق إلى ذهن هذا الرجل من أن المراد بقوله {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر} الذكورة والأنوثة قد سبق قبله إلى أذهان قوم من صنعة المفسرين، وهو غلط، بل المراد بذلك أنا أخرجناه من ذلك الوعاء إلى خارجه، وجعلناه مستقلا بنفسه بعد أن كان جزءا من أمه؛ لأنه كان يغتذي باغتذائها، كما يغتذي عضو من أعضائها، فلما استقل بنفسه في الغذاء وغيره وجميع صورته، وظهر شخصه صار خلقا آخر.

<<  <   >  >>