ثم اعترض على نفسه فقال قد وردت آية أخرى بلفظة ثم لهذه التقلبات بعينها، وهي قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} ثم أمسك عن الجواب١، فلم يقل شيئا، هكذا وجدته في نسخة هذا الكتاب التي وصلت إلينا من الموصل فطلبت نسخة أخرى، ثم تأملتها فوجدته أيضا قد أخلى بياضا للجواب.
أقول: قد كان الواجب عليه أن يتفطن من ههنا لحقيقة الفاء، وأنها ليست كما يظن أنها تقتضي الفور الحقيقي، وإن وجد أحدهما في الزمان الأول، والآخر في الزمان الثاني بلا فصل، بل تقتضي التعقيب على ما يصح ويمكن كما قدمنا فأما ثم فتقتضي تراخيا ومهلة أكثر مما في الفاء.
ومن العجيب ظنه أن الفاء في قوله تعالى:{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} للتعقيب الذي يتوهمه، وهو عدم الزمان المحسوس بين الحالتين، وكيف يمكن أن نعتقد هذا، وبين صيرورة العلقة مضغة زمان طويل، وبين صيرورة المضغة عظاما مثل ذلك، ولو كان الأمر كما تصوره هذا الرجل لوجب القول بأن الزمان الذي تتكون فيه النطقة علقة، تتكون في الزمان الثاني منه بلا فضل مضغة، وتتكون في الذي يليه بلا فصل عظاما، وتتكون في الزمان الذي يليه على تلك العظام لحم، وتتكون هذه المراتب كلها، وتقع جميعها في أقل من عاشرة من عواشر الدقائق، وهذا أمر ما قاله مخلوق قط:
١ المثل السائر: ٢/ ٢٣٨ وليس في الكتاب جواب عن السؤال.