للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١٠٨- قال المصنف: وقد اختلف الناس في حمل مريم عليها السلام كم مدته، فقال قوم كحمل غيرها من النساء، وقيل ثلاثة أيام، وقيل أقل، وقيل أكثر. قال: والصحيح أن حملها ووضعها كانا متقاربين على الفور من غير مهلة، وربما كان ذلك في يوم واحد أو أقل، لقوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} لأنه عطف بالفاء وهي للفور، ولو كان هناك تراخ ومهلة لعطف بثم التي هي تفيد المهلة١.

أقول: إن الفاء ليست للفور، بل هي للتعقيب على حسب ما يصح إما عقلا أو عادة، ولهذا صح أن يقال دخلت البصرة فبغداد، وكان بينهما زمان كثير، لكن تعقيب دخول هذه عن دخول تلك على ما يمكن، بمعنى أنه لم يمكث بواسط مثلا سنة أو مدة طويلة، بل طوى المنازل بعد البصرة ولم يقم بواحد منها إقامة يخرج بها عن حد السفر إلى أن دخل بغداد، وهذا هو الذي يقوله أهل اللغة وأهل الأصول، وليست الفاء للفور الحقيقي.

أقول: معناه حصول هذا بعد هذا٢ بغير فصل ولا زمان كما توهماه هذا الرجل، ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} ٣ والعذاب متراخ عن الافتراء.


١ المثل السائر: ٢/ ٢٣٧.
٢ يريد حدوث الوضع بعد الحمل.
٣ سورة طه: ٦١.

<<  <   >  >>