للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البخاري وغيره. لكن بعض الناس يقول: إن فيه علة، بخلاف حديث موسى، فإنه صحيح لا علة فيه باتفاقهم.

وقد أجاب بعضهم بجواب آخر، وهو: أن قوله : "لا تفضلوني على موسى" (١)، وقوله: "لا تفضلوا بين الأنبياء" نهي عن التفضيل الخاص، أي: لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه، بخلاف قوله: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (٢) فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه. وهذا كما لو قيل: فلان أفضل أهل البلد، لا ينصب على أفرادهم، بخلاف ما لو قيل لأحدهم: فلان أفضل منك. ثم إني رأيت الطحاوي قد أجاب بهذا الجواب في "شرح معاني الآثار".

وأما ما يروى أن النبي قال: "لا تفضلوني على يونس [بن متي] " (٣)، وأن بعض الشيوخ قال: لا يفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالا جزيلا، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج وعدوا هذا تفسيرا عظيما، وهذا يدل على جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظا ومعنى، فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها، وإنما اللفظ الذي في الصحيح: "لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس ابن متي" (٤). وفي رواية: "من قال: إني خير من يونس بن متى فقد كذب". وهذا اللفظ يدل على العموم، "لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى"، ليس فيه نهي المسلمين أن يفضلوا محمدا على يونس، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم، أي: فاعل ما يلام عليه. وقال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: ٨٧]. فقد يقع في نفس بعض


(١) صحيح، وتقدم قريبا.
(٢) صحيح، وتقدم قريبا.
(٣) لا أعرف له أصلا بهذا اللفظ، وتقدم قريبا في حديث أبي هريرة: "ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى".
(٤) مسلم وأحمد وغيرهما ولفظه عند مسلم "٢٣٧٦": "قال: يعني الله : لا ينبغي لعبد لي". وفي لفظ: "لعبدي". والرواية الأخرى للبخاري في "التفسير".

<<  <   >  >>