للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب: أن هذا كان له سبب، فإنه كان قد قال يهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه مسلم، وقال: أتقول هذا ورسول الله بين أظهرنا؟ فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه، فقال النبي هذا؛ لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموما، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموما، فإن الله حرم الفخر، وقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [سورة الإسراء: ٥٥]. وقال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٣]. فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر، أو على وجه الانتقاص بالمفضول. وعلى هذا يحمل أيضا قوله : "لا تفضلوا بين الأنبياء" (١)، إن كان ثابتا، فإن هذا قد روي في نفس حديث موسى، وهو في


(١) صحيح، وهو رواية من حديث أبي هريرة المتقدم من طريق عبد الرحمن الأعرج عنه قال: "بينما يهودي يعرض سلعة له أعطى بها شيئا كرهه أو لم يرضه، قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فلطم وجهه، قال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، ورسول الله بين أظهرنا؟! قال: فذهب اليهودي إلى رسول الله فقال: يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي، فقال رسول الله : لم لطمت وجهه؟ قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى على البشر وأنت بين أظهرنا، قال: فغضب رسول الله حتى عرف الغضب في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، قال: ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، أو في أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي، ولا أقول: إن أحد أفضل من يونس بن متى ". أخرجه البخاري "٢/ ٣٦٠ - ٣٦١"، ومسلم "٧/ ١٠٠ - ١٠١" وقد غمز الشارح من صحته، ولا أعلم له علة، ولم يتكلم عليه الحافظ في "الفتح" "٦/ ٣١٨"، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون … " الحديث نحوه، أخرجه البخاري "٢/ ٨٩"، ومسلم "٧/ ١٠٢" وأحمد "٣/ ٣٣"، وروى أبو داود "٤٦٦٨" الجملة الأولى منه، وهي رواية لأحمد "٣/ ٣١".

<<  <   >  >>