للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس أنه أكمل من يونس، فلا يحتاج إلى هذا المقام، إذ لا يفعل ما يلام عليه، ومن ظن هذا فقد كذب، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، كما قال أول الأنبياء وآخرهم، فأولهم آدم، قد قال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة الأعراف: ٢٣]. وآخرهم وأفضلهم وسيدهم: محمد ، قال في الحديث الصحيح، حديث الاستفتاح، من رواية علي بن أبي طالب وغيره، بعد قوله: وجهت وجهي آخره: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، لا يغفر الذنوب إلا أنت" (١)، إلى آخر الحديث، وكذا قال موسى : ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة القصص: ١٦]. وأيضا فيونس لما قيل فيه: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [سورة القلم: ٤٨]، فنهى نبينا عن التشبه به، وأمره بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [سورة الأحقاف: ٣٥]، فقد يقول من يقول: "أنا خير من يونس"، للأفضل أن يفخر على من دونه، فكيف إذا لم يكن أفضل، فإن الله لا يحب كل مختال فخور، وفي صحيح مسلم عن النبي أنه قال: "أوحي إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد" (٢). [فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين]، فكيف على نبي كريم؟ فلهذا قال: "لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس. وقوله: من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب، فإنه لو قدر أنه كان أفضل، فهذا الكلام يصير نقصا، فيكون كاذبا، وهذا لا يقوله نبي كريم، بل هو تقدير مطلق، أي: من قال هذا


(١) مسلم وأحمد وغيرهما من حديث علي ، وهو قطعة من دعاء التوجه بعد الإحرام، وهو مخرج في "صفة الصلاة" "ص ٨٥ الطبعة السادسة".
(٢) مسلم "٨/ ١٦٠" من حديث عياض بن حمار، وله شاهد من حديث أنس، وقد خرجتهما في "الصحيحة" "٥٧٠".

<<  <   >  >>