أمروا بترك صنعتها لئلا تجتمع ملوك الأمم على غزوهم، فعملها كلكن وملا دور الحكمة منها حتى لم يكن الذهب بمصر أكثر منه فى وقته ولا الخراج؛ لأنه كان فى وقته- فيما حكاه القبط- مائة ألف ألف وبضعة عشر ألف ألف مثقال. قال: وكان المثقال الواحد من الصّنعة يطرح على القناطير الكثيرة فيصبغها، فاستغنوا عن إثارة المعادن لقلّة حاجتهم إليها. وعمل من الحجارة المسبوكة الملوّنة الصمّ التى تشفّ شيئا كثيرا لم يعمل مثله أحد ممن تقدّمه. وعمل من الأدرك «١» الملوّن والفيروزج أشياء تخرج عن العقول، حتى كان يسمّى حكيم الملوك. وغلب جميع الكهنة فى علومهم، وكان يخبرهم بما يغيب عنهم، فهابوه واحتاجوا إلى علمه.
وكان نمروذ بن كنعان الذى أهلكه الله تعالى على يد إبراهيم الخليل عليه السلام فى وقته، فيقال: إنه لما اتصل بنمروذ خبر حكمته استزاره فوجّه إليه أن يلقاه منفردا من أهله وحشمه بموضع كذا، ففعل النمروذ ذلك وسار إلى الموضع الذى ذكره، وأقبل كلكن على أربعة أفراس تحمله ذوات أجنحة، وقد أحاط به نور كالنار، وحوله صور هائلة قد خيّل بها، وهو متوشّح بثعبان محتزما ببعضه، والثعبان فاغر فاه، ومعه قضيب آس أخضر كلما حرّك الثعبان رأسه ضربه بالقضيب. فلما رآه النمروذ هاله أمره وخاطبه؛ فاعترف له بجليل الملك والحكمة، وسأله أن يكون ظهيرا له.
وتقول القبط: إن كلكن الملك كان يرتفع ويجلس على الهرم الغربىّ فى قبّة تلوح على رأسه. وكان أهل البلد إذا دهمهم أمر اجتمعوا حول الهرم. ويقولون:
إنه ربما أقام على رأس الهرم أياما لا يأكل ولا يشرب، ثم استتر عنهم مدّة حتى توهّموا أنه هلك. وكان يجول فى الأرض وحده حتى طمعت الملوك التى حوله