قلت: ما فات ذاك إذا أنعم سيّدنا الوزير به، وسبيلي إليه الآن مع قبول الشهادة أقرب.
فضحك، وقال لمن كان بين يديه: انظروا إلى ذكائه، كيف اغتنمها؟
ثم قال لي: اخرج معي إلى بغداد.
فقبّلت يده، ودعوت له، وسار من السوس إلى بغداد.
ووردت إلى بغداد في سنة ٣٤٩ هـ، فتقدّم إلى أبي السائب في أمري بما دعاه إلى أن قلّدني عملا بسقي الفرات «٢» .
وكنت ألازم الوزير أبا محمد، وأحضر طعامه، ومجالس أنسه.
واتفق أن جلس يوما مجلسا عامّا، وأنا بحضرته، وقيل له: أبو السائب في الدار.
قال: يدخل، ثم أومأ إليّ بأن أتقدم إليه، فتقدّمت ومد يده ليسارّني، فقبّلتها.
فمدّ يدي، وقال: ليس بيننا سرّ، وإنّما أردت أن يدخل أبو السائب، فيراك تسارّني في مثل هذا المجلس الحافل، فلا يشكّ أنّك معي في أمر من أمور الدولة، فيرهبك، ويحشمك، ويتوفّر عليك، ويكرمك، فإنّه لا يجيء إلّا بالرهبة، وهو يبغضك بزيادة عداوة كانت لأبيك، ولا يشتهي أن يكون له خلف مثلك.
وأخذ يواصل معي في مثل هذا الفنّ من الحديث، إلى أن دخل أبو السائب.