للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنَّ "من" في المجازاةِ لا تكونُ إلَّا مبتدأةً غيرَ واقعٍ عليها عاملٌ لأنَّ لها صدرَ الكلامِ لوقوعِها موقعَ حرفِ الجَزاء، إلَّا أن يكون العامِلُ حَرفَ جَرٍّ في صِلةِ حرفِ الشَّرطِ أو اسمًا مُضافًا قد عَمِلَ فيه فِعلُ الشَّرط، أو مُبتَدَأً مضافًا كقولِكَ: بمن تَمْرُرْ أمْرُرْ به، وعلى مَنْ تَنْزِل أنزلْ عليه، وغُلامُ مَن تَضربْ أضربْهُ، وَثَوبَ مَن تَلبَس (١) ألبَسهُ، فإن وَقَعَ عليها عامِلٌ قَبلها من غَيرِ ما ذَكَرنا بَطَلَت المَجازاة، وصارَت بمنزِلَةِ "الَّذي"، تَقولُ: كَانَ مَن يزورُني أزورُهُ، وإنّ مَن يكرِمُنِي أكرِمُهُ، وامرُرْ بمن تَمُرُّ به. وأجازَ الكِسائِيّ (٢) في "مَنْ" أن تَكونَ صِلَةً مُؤكّدَةً وأنشَد (٣):

آلُ الزُّبيرِ سَنَامُ المَجدِ قَد عَرَفَت … ذَاكَ العَشِيرةُ والأثرون مَن عَدَدَا

أي: الأثرون عَدَدًا.

[وقال عَنتَرة (٤):

يا شاهُ ما قُنصٌ لِمَن حَلَّت لَه … حَرُمَت عَلَيَّ ولَيتَها لَم تَحْرُمِ

قِيل "مَنْ" نكرةٌ كإنسانٍ، وقُنصٌ بمعنى قانِصٌ، "ومَنْ عددا" بمعنى مَن يَعُدُّ عَدَدًا، فاكتَفى بالمَصْدَرِ عن الفِعلِ نَحوَ: ما أنَت إلَّا سَيرًا] (٥) ورَواهُ (٦)


(١) في (ب) تلبسه.
(٢) قال الأندلسي في المحصّل: ٢/ ١٠٠ … وأنكر ذلك سيبويه وأبو علي وغيرهما، وأوّلوها بأنّها في البيت موصوفة بالمصدر … قال: وروي يا شاه ما قنص فتعارضت الروايتان.
(٣) لم أعثر على قائله، وهو في أمالي ابن الشجري: ٢/ ٣١٢، وشرح المفصّل للأندلسي: ٢/ ١٠٠، وضرائر الشعر لابن عصفور: ٨١، وشرح السّبع الطوال: ٣٥٣ والتذييل والتكميل: ٢/ ٧، والمنتخب الأكمل في شرح الجمل للخفّاف الأشبيلي ٣/ ١٥٣، والخزانة: ٢/ ٥٤٨.
(٤) ديوان عنترة: ١٥٢، والمعلقات العشر: ١٣١، وتأويل مشكل القرآن: ٢٠٦، وضرائر الشعر لابن عصفور: ٨١، وضرائر القزاز: ١٦٧، وشرح ابن يعيش: ٤/ ١٢، وشرح الأندلسي: ٢/ ١٠٠ والتذييل والتكميل: ٢/ ٧ والمنتخب الأكمل في شرح الجمل للخفّاف الأشبيلي: ٣/ ١٥٣، والخزانة: ٢/ ٥٤٩.
(٥) في (أ) فقط.
(٦) قال الأندلسي: الرواية عند البصريين "الأثرون ما عددا"، وعنه في خزانة الأدب: ٢/ ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>