للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن يتناسب المتغايران لو قلت: جاءَني زيد لكنَّ عمرًا لم يضرب لم يجز.

فإن سألت: ما معنى الاستدراك؟

أجبتُ: رفع وهم تولّد عن كلام متقدم رافعًا شبيهًا بالاستثناء، ومن ثم قالُوا الاستثناء في ["لكن" بمعنى الاستدراك] (١)، فإن كان ما قبلها نفيًا كان ما بعدها موحبًا مستدركًا له ما نُفي عَمّا قبلها كما وصفنا، وكذلك معنى الاستثناء إذا قلت: ما جاءَني القوم إلا زيدًا، ألا ترى أنَّك نفيت المجيء عن القومِ وأثبته لزيدٍ وكذلك إذا قلتَ: جاءَني القوم إلا زيدًا فقد أوجبت المجيء للقوم ونفيته عن زيد. قال أبو سَعِيْدٍ السِّيْرَافِيُّ (٢): وقد أجرت "إلا" مجرى لكنْ إذا قلت: ما في الدَّار إنسانٌ إلا حمارًا أي: لكن حمارًا وإذا قلت: إن لفلانٍ مالًا إلا أنه شقيٌّ، والمعنى لكنّه يترك الانتفاع به وكذلك إذا قلت: إن لزيدٍ مالًا لكن عَمْرًا شَقِيٌّ وإلا أن عَمْرًا شقيٌّ جاز (٣) لتقارب معنييهما.

قالَ جارُ اللهِ: " (فصلٌ) والتغاير في المعنى بمنزلته في اللَّفظ كقولك: فارقني زيدٌ لكن عَمْرًا حاضِرٌ، وجاءَني زيدٌ لكن عمرًا غائبٌ، وقولِهِ عزَّ وجَلَّ (٤) {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} على معنى النَّفي وتضمن ما آراكهم كثيرًا".

قال المُشَرِّحُ: قوله {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} أي: عَصَمَ وأَنْعَمَ بالسَّلامة من الفشل والتنازع في الاختلاف.

قال جارُ اللهِ: " (فصل): وتخفف فيبطل عملها كما يبطل عمل "إنَّ" و"أنَّ" وتقع في حروف العطف على ما سيجيء بيانه".


(١) في (أ): "كل يعني الايهام".
(٢) شرح الكتاب (٣/ ١١٠).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) سورة الأنفال: آية ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>