للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاحنة. وقد نشأ هذا الأمير الضعيف فى بلاط منحل، يضطرم بصنوف الدس والخصومة، ولم تهيئه تربيته وصفاته للاضطلاع بمهام الملك الخطيرة، ولاسيما فى مثل تلك الظروف الدقيقة، التى كانت تجوزها مملكة محتضرة. أجل كانت الأندلس تسير إلى قدرها المحتوم، قبل المأساة ببعيد، ولم يك شك فى مصير غرناطة، بعد أن سقطت جميع القواعد الأندلسية الأخرى فى يد العدو القوى الظافر؛ ولكن ليس من شك أيضاً فى أن الأواخر من ملوك غرناطة، يحملون كثيراً من التبعة، فى التعجيل بوقوع المأساة. فنحن نراهم يجنحون إلى الدعة والخمول، ويتركون شئون الدفاع عن المملكة، ويجنحون إلى حروب أهلية يمزق فيها بعضهم بعضاً، والعدو من ورائهم متربص ومتوثب يرقب الفرص. وقد كان هذا شأن مملكة غرناطة وشأن بنى الأحمر، ولاسيما منذ أوائل القرن التاسع الهجرى أو أوائل القرن الرابع عشر الميلادى. ومنذ عهد الأمير على أبى الحسن، تبلغ الحرب الأهلية ذروتها الخطرة، ويغدو مصير المملكة الإسلامية رهين رحمة القدر، وقد شاء القدر أن يكون السلطان أبو الحسن، وأخوه الأمير محمد بن سعد المعروف بالزغل، وولده أبو عبد الله محمد أبطال المأساة الأخيرة، حملتهم نفس الأطماع والأهواء الخطرة، فانحدروا إلى معترك الحرب الأهلية، وشغلتهم الحرب الأهلية طول الوقت عن أن يقدروا حقائق الموقف، وأن يستشعروا الخطر الداهم، وأن يستجمعوا قواهم المشتركة لمواجهة العدو المشترك، وانحدر أبو عبد الله إلى أخطر ما فى هذه المعركة المميتة من وسائل الإغراء والتفوق، فجنح إلى مخالفة العدو الخالد، ولم يحجم عن أن يستعدى ملك النصارى على أبيه وعمه، كى ينتزع الملك لنفسه، فلما ظفر بعرش غرناطة بمؤازرة ملك قشتالة، لم يكن سوى صنيعته وأسير وحيه. وكان عمه الزغل قد بسط سلطانه على الأنحاء الشرقية والجنوبية، فلم يحجم عن مهاجمته فى نفس الوقت الذى هاجمه فيه ملك النصارى لينتزع منه ما تحت يده، وكان الزغل فى الواقع بطل المعركة الأخيرة، وقد أبدى فى مقاومة العدو بسالة رائعة خلدتها سير العصر؛ ولم يشعر أبو عبد الله بفداحة خطئه، إلا حينما تحول إليه حليفه الغادر ملك قشتالة بجيشه الضخم، ليحاصر غرناطة ويضربها الضربة الأخيرة، وكانت قوى غرناطة ومواردها قد بددت فى حروب أهلية عقيمة، فلم يغن دفاعها شيئاً أمام القوة القاهرة والقدر المحتوم، فكانت النكبة، وكانت الخاتمة المؤسية

<<  <  ج: ص:  >  >>