وتحت حمايته فيقول:"ولقد عرض علينا صاحب قشتالة مواضع معتبرة خير فيها، وأعطى من أمانه، المؤكد فيه خطه وإيمانه، ما يقنع النفوس ويكفيها، فلم نر ونحن من سلالة الأحمر مجاورة الصُّفر، ولا سوغ لنا الإيمان، الإقامة بين، ظهرانى الكفر ما وجدنا عن ذلك مندوحة ولو شاسعة، وأمنّا من المطالب للشاغب، حمة شر لنا لاسعة".
ثم يشير إلى أنه تلقى كذلك دعوات كريمة من المشرق للذهاب والإقامة، ولكنه آثر الجواز إلى المغرب، دار آبائه من قبل، وملاذهم دائماً عند النوائب، ولم يرتض سوى الانضواء إلا لذلك الجناب، أعنى سلاطين المغرب، الذين أوصى آباؤه وأجداده بالانضواء إليهم، وقت الخطر الداهم.
ويختم أبو عبد الله دفاعه برثاء مؤثر لملكه ومصيره فيقول:"ثم عزاء حسناً وصبراً جميلا، عن أرض أورثها من شاء من عباده، معقباً لهم ومديلا، سادلا عليهم من ستور الإملاء الطويلة سدولا، "سنة الله التى قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا"، فليطر طائر الوسواس المرفرف مطيراً، كان ذلك فى الكتاب مسطوراً، ولم نستطع عن مورده صدوراً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً".
ويعود أبو عبد الله بعد هذا الدفاع المستفيض المؤثر، إلى الإشادة بخلال سلاطين فاس ومآثرهم، ويقرر أنه يضع نفسه تحت حماية السلطان ورعايته منتظماً فى سلك أوليائه، مستشرفاً بخدمة عليائه"، ليقضى بقية عمره فى كنفه مصوناً من المخاطر والضيم.
...
تلك خلاصة الدفاع الشهير الذى تركته آخر ملوك الأندلس للخلف من بعده. وهو دفاع حار مؤثر يذكرنا بتلك الإعتذارات الشهيرة (أبولوجيا)، التى لجأ إليها الأقدمون فى ظروف مختلفة، لتبرير بعض المواقف والآراء. وفيه يقف أبو عبد الله موقف المذنب البرىء معاً، فهو لا يتنصل من جميع الأخطاء، ولكنه يتنصل من تبعة ما حدث، ويصور نفسه قبل كل شىء ضحية القدر، ويدفع عن نفسه بالأخص تهمة التفريط والخيانة والزيغ. فإلى أى حد تتفق هذه الصورة مع الحقيقة، ومع منطق الحوادث والظروف التى وقعت فيها المأساة؟ لقد تبوأ أبو عبد الله عرش غرناطة لأول مرة وهو فتى فى الحادية والعشرين، ثم عاد إلى تبوئه بعد ذلك بعدة أعوام، وكان جلوسه فى كل مرة نتيجة حرب أهلية مخربة