للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى صحة هذه الوقائع المشينة المنسوبة إلى زعماء غرناطة، وهم الذين تشيد الرواية النصرانية ذاتها بحماستهم وشجاعتهم وبسالتهم، فى الذود عن وطنهم ومدينتهم.

بيد أننا وقفنا بعد ذلك على ما يؤيد صحة الرواية الإسلامية ودقتها فيما تشير إليه من حقائق مؤلمة. ذلك أنه فى نفس الوقت الذى اتجه فيه رأى الجماعة إلى المفاوضة فى التسليم، كانت تبذل فى الخفاء مساع أخرى لتحقيق ما يمكن تحقيقه من الضمانات والمغانم الخاصة لأبى عبد الله وأفراد أسرته ووزرائه، وكان الملكان الكاثوليكيان يرميان إلى استخلاص غرناطة بأى ثمن غير الحرب، ولا يدخران وسعاً فى بذل أية تضحية أو منحة لإغراء الزعماء والقادة لتذليل هذه المهمة. وهكذا كللت هذه المساعى الخفية بالنجاح، وفى نفس الوقت الذى عقدت فيه معاهدة التسليم، عقدت معاهدة سرية أخرى يمنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزراؤه منحاً خاصة بين ضياع وأموال نقدية وحقوق مالية وغيرها. وقد أبقيت هذه المعاهدة فى طى الكتمان، ولم يقف عليها سوى نفر من الخاصة. وهذا هو ما يشير إليه صاحب أخبار العصر.

وهنالك فوق ذلك ما يدل على أن أبا عبد الله وكثيراً من الوزراء والقادة، قد حاولوا مذ تجهمت الحوادث، وبدأ حصار غرناطة، التصرف فى أملاكهم، وباع أبو عبد الله عن يد وكيله القائد أبى القاسم بن سودة حديقته المعروفة بجنة عصام، خارج غرناطة، وذلك فى جمادى الأولى سنة ٨٩٦ هـ (أوائل أبريل ١٤٩١ م). وباع بعض وزراء وفرسان آخرين أملاكهم فى نفس هذه المنطقة، وفى نفس هذا التاريخ، وباع الوزير عبد الله بن أبى الفرج قرية يملكها فى ضاحية المدينة، فى أواخر المحرم سنة ٨٩٧ هـ (أواخر نوفمبر ١٤٩١ م) (١).

على أنه يبدو من التعسف والمبالغة مع تقرير هذه الحقائق المؤلة، أن نلجأ إلى اتهام أبى عبد الله ووزرائه بالخيانة المقصودة؛ ففى غمار المحنة الطاحنة التى كان يعانيها الشعب والقادة، وإزاء الظروف القاهرة التى لم يكن من حكمها محيص، وفى اللحظة التى انقطع فيها كل أمل فى الغوث والإنقاذ، لم يك ثمة سبيل سوى الموت أو مفاوضة العدو الظافر. وقد اختار زعماء غرناطة هذا السبيل الأخير، ولو أنهم


(١) راجع كتاب "وثائق عربية غرناطية" الذى سبقت الإشارة إليه، الوثيقة رقم ٦٥ (ص ١١١)، والوثيقة رقم ٧٣ (ص ١٢١). والوثائق رقم ٧٤ و ٧٥ و ٧٦، و ٧٧ (ص ١٢٢ - ١٢٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>