للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختاروا الموت تحت أنقاض مدينتهم دفاعاً عنها، لأحرزوا لذكراهم الخلود وإعجاب التاريخ، ولكن يبدو أنه لم يكن ثمة من موقف الشعب الغرناطى ويأسه وتبرمه بما أصابه من ويلات الحصار، ما يشجع على المضى فى دفاع لا يجدى.

وتلقى الرواية القشتالية ذاتها ضوءاً على الظروف التى حملت أبا عبد الله ووزراءه على السعى إلى مفاوضة ملك قشتالة، فيقول لنا مارمول الذى كتب روايته بعد ذلك بنحو سبعين عاماً ما يأتى:

"ولما رأى الزغيبى (أبو عبد الله) أن مدينة غرناطة لا تستطيع دفاعاً، ولا تأمل الغوث والإمداد، ونزولا على رغبة السواد الأعظم من الشعب، الذى لم يعد يصبر على هذا الأمر الفادح، أرسل يطلب الهدنة من الملكين الكاثوليكيين لكى يستطيع خلالها أن يتفاهم على شروط الصلح التى يمكن التسليم بمقتضاها" (١)،

ويقول لافونتى ألقنطرة: "اشتدت وطأة الجوع على المحصورين، وأصبحت الجماهير الصاخبة تجوب أنحاء المدينة تنذر الأغنياء بالويل، وتبعث الرجفة إلى أبى عبد الله وأعوانه. وإزاء هذا التهديد دعا الأمير مجلسا من الزعماء والقادة، وطلب إليهم البحث فيما يمكن عمله لتجنب الأخطار التى تهدد المدينة فى الداخل والخارج. وقال الشيوخ والفقهاء إنه لم يبق سبيل سوى التسليم أو الموت، وأشار أهل الرأى بأن يقوم أبو القاسم بإذن من أبى عبد الله بمفاوضة النصارى" (٢).

والخلاصة أنه لا مجال هنا للتحدث عن الخيانة فى وصف ذلك الموقف المريب الذى وقفه أبو عبد الله ووزراؤه، وحاولوا أن يحققوا لأنفسهم فيه مغانم خاصة؛ ولكنا نستطيع أن نتحدث عن الأثرة والخور والضعف الإنسانى، والتعلق بأسباب السلامة، وانتهاز الفرص.

- ٣ -

سار القائد أبو القاسم عبد الملك، مندوب أبى عبد الله إلى معسكر الملكين الكاثوليكيين ليؤدى مهمته الأليمة. وقد اضطلع هذا القائد، فضلا عن المفاوضة فى تسليم غرناطة، بالمفاوضة فى سائر الاتفاقات اللاحقة التى عقدت بين أبى عبد الله، وبين ملكى قشتالة، ونرى اسمه مذكوراً فى معظم الوثائق القشتالية الغرناطية التى أبرمت فى هذه الفترة، باعتباره دائماً مندوب أبى عبد الله المفوض.


(١) Luis del Marmol: ibid ; Lib. I., Cap. XIX
(٢) Lafuente Alcantara: ibid ; V. III. p. ٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>