للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموطن، ليحارب إلى جانب النصارى، أبناء دينه ووطنه، وليحول دون تحرير الثغر المسلم، من أشنع المواقف التي يمكن تصورها، مهما كان وراءه من الإعتبارات القومية والوطنية. وحدث أثناء الحصار بين ابن ملحان وبين عبد الله ابن سليمان نزاع، انسحب ابن ملحان على أثره مع قواته إلى معسكر ابن مردنيش، ليشاطره خزي موقفه. واستمر حصار الموحدين لألمرية بضعة أشهر، حاول النصارى وحليفهم ابن مردنيش خلالها غير مرة، أن يقتحموا الحصار لإنجاد المحصورين، فذهبت كل جهودهم عبثاً. وتقول الرواية النصرانية، إنه نشبت خلال ذلك بين الموحدين والنصارى موقعة عنيفة، فقد فيها الموحدون زهرة جندهم، وتفرقوا في غير نظام (١). بيد أنه مما ينقض هذه الرواية، أن القشتاليين لم يفلحوا في خرق الحصار، وأن حامية ألمرية النصرانية، لم تلبث أن أرغمت على التسليم. وكان السيد أبو سعيد قد بعث إلى أبيه الخليفة يستمده العون، فبعث الخليفة وزيره أبا جعفر بن عطية القضاعي إلى الأندلس صحبة ولده السيد أبى يعقوب يوسف، الذي ندبه لولاية إشبيلية، وأمر بعد استقرار ولده بإشبيلية، أن يتوجه أبو جعفر إلى ألمرية ليعالج أمرها، ووصل ابن عطية إلى ألمرية، وقد تحرج مركز النصارى بقصبتها، وأرهقهم الحصار، ففاوضهم، ونجح في إقناعهم بالتسليم على الأمان. ودخل الموحدون ألمرية في أواخر سنة ١١٥٧ م (ذو القعدة أو ذو الحجة سنة ٥٥٢ هـ) بعد حصار دام سبعة أشهر، وعاد الثغر الإسلامي إلى سلطان المسلمين بعد أن احتله النصارى زهاء عشرة أعوام. وكان السيد أبو سعيد يتوق إلى العود مسرعاً بقواته إلى غرناطة خشية عدوان القشتاليين.

ْولكن الواقع أن ملك قشتالة وحليفه ابن مردنيش اضطرا إلى الانسحاب خائبين، تاركين المدينة المحصورة لمصيرها، ومرض ألفونسو السابع في طريق العود إلى عاصمته طليطلة، وتوفي قبل أن يصل إليها في بلدة مورتلة (مورادال) وذلك في ٢١ أغسطس سنة ١١٥٧ م. وارتد ابن مردنيش في قواته إلى بلاده (٢).

وحدثت في نفس الوقت في ولاية المغرب تطورات جديدة. وذلك أن علياً الوهيبي حينما فر من لبلة عندما دهمها الموحدون، سار إلى ثغر طبيرة الصغير،


(١) Lafuente: Historia General de Espana (Ed. ١٨٨٩) T. III. p. ٣٠٠
(٢) يراجع في استرجاع الموحدين لألمرية: ابن الأثير ج ١١ ص ٨٤، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٣٣، والإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٢٧٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>