للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعون، وردع العدو وتحقيق النصر الذي يؤمل، وأمر بالكتب بذلك إلى أهل يابرة وباجة، فوجهت إليهم الكتب في الثالث والعشرين من المحرم سنة ٥٥٠ هـ (١).

* * *

وزار عبد المؤمن قبر المهدي في هذه السنة، ثم غادر تينملل إلى سلا، وبقي بها حسبما يحدثنا البيذق مدى عامين، ثم عاد إلى مراكش، وأمر بأن يغرس في خارجها بستان عظيم، أطلق عليه اسم " شنطلوليه " (٢)، وعنى بتخطيط هذا البستان (أو البحيرة كما كانت تسمى الحديقة يومئذ) أحمد بن ملحان صاحب وادي آش السابق، وأجرى إليه الماء من أغمات، ومن عيون كثيرة أنشأها، وكان قد وفد على مراكش بعد استيلاء ابن مردنيش على أراضيه في سنة ٥٤٦ هـ، واستعمل في إنشاء البستان وغرسه، لما له في ذلك من خبرة هندسية فائقة (٣).

وزود هذا البستان الضخم، بسائر الغروس من الفواكه والأزهار والرياحين، والأشجار النادرة، ولم يمض سوى قليل حتى غدا بجمال تنسيقه، وروعة نضرته، وكأنه قطعة من الجنان. ويقول ابن اليسع إن هذا البستان كان يشغل مساحة قدرها ثلاثة أميال في مثلها، وأنه بعد عامين أو ثلاثة من غرسه كان إيراد زيتونه وفواكهه، يبلغ ثلاثين ألف دينار مؤمنية على رخص أثمان الفواكه (٤).

ويقص علينا صاحب المعجب، أن الوزير أبا جعفر بن عطية، دخل على عبد المؤمن ذات يوم، وهو جالس في قبة مشرفة على البستان، فسحره جمال البستان وروعته، ولاحظ ذلك عبد المؤمن، فأبدى له أن المنظر الحسن إنما هو شىء آخر، وبعد ذلك بأيام قلائل أجرى الخليفة عرضاً لعسكره، ومرت الكتائب، متوالية في أكمل هيئة ونظام، وكان إلى جانبه وزيره، فالتفت إليه قائلا " إن هذا هو المنظر الحسن يا أبا جعفر لا ثمارك وأشجارك " (٥).

وقضى عبد المؤمن بقية هذا العام (سنة ٥٥٢ هـ) في الطواف بنواحي الأطلس وبلاد السوس، ومعه طائفة من أشياخ الموحدين وطلبتهم وحفاظهم،


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٠.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٢٠.
(٣) أعمال الأعلام ص ٢٦٤.
(٤) الحلل الموشية ص ١١٠.
(٥) المراكشي في المعجب ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>