للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن انتهى عبد المؤمن من عقد البيعة بولاية العهد لولده محمد، وتولية أولاده الآخرين حكم البلاد، أخذ في النظر في شئون الأندلس. وتوجيه البعوث إلى حمايتها وضبط أمورها. وكانت قد حدثت في ذلك الحين في ولاية الغرب بعض الحوادث المقلقة. ومن ذلك أن علياً الوهيبي أحد ثوار الغرب، هاجم في صحبه مدينة لبلة ليلا، وأخذ أهلها على غرة وفتك بكثير منهم، فلجأ الناس إلى قصبة الموحدين. فحاصر الوهيبي القصبة، وأرهق من بها، فلما وقف يحيى بن يومور والى قرطبة وإشبيلية الموحدي على ما حدث، غادر من فوره قرطبة في عسكر من الموحدين، وسار إلى لبلة، فبادر الوهيبي بالفرار، وخرج أهل لبلة في اليوم التالي، معتذرين طائعين، فلم يقبل منهم عذراً، واعتبرهم جميعاً مذنبين، وأوقع السيف فيهم أجمعين، ولم يرحم منهم أحداً، وكان ممن قتل من أعيان فقهائهم، الفقيه أبو الحكم بن بطال المحدث، وأبو عامر بن الجد.

وتقدر الرواية من قتل من أهل لبلة في ذلك اليوم بثمانية آلاف، ومن أحوازها بأربعة آلاف، ثم بيع نساؤهم وأولادهم. وكان مع ابن يومور في تلك الوقيعة أبو الغمر بن عزون، وهو الذي أشار عليه بارتكاب هذا الجرم. ووقع الفتك بأهل لبلة، على هذا النحو في الرابع عشر من شعبان سنة ٥٤٩ هـ. فلما بلغ عبد المؤمن ما فعله ابن يومور، وما ارتكبه من شنيع السفك بأهل لبلة بمحض رأيه واستبداده، بعث أبا محمد عبد الله بن أبى حفص إلى إشبيلية ومعه أمر باعتقال ابن يومور، فاعتقله بمعاونة برّاز بن محمد، وأخذاه يوم الفطر مكبلا، وبعثا به إلى مراكش في صحبة عبد الله بن سليمان، فاعتقل بمنزله، واستمر على ذلك حيناً إلى أن زار الخليفة قبر المهدي، وسار ابن يومور في ركبه، فعفا عنه وأمنه، وأبقى عليه حساب الآخرة، ثم بعثه إلى تلمسان صحبة ابنه السيد أبى حفص ضمن أشياخ الموحدين الذي ساروا في رفقته (١).

وفي آخر هذا العام، وفد ابن وزير صاحب باجة ويابرة إلى مراكش، مستغيثاً بالخليفة من أعمال ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز، وهو المسمى في الرواية العربية ابن الرنك، أو ابن الرنق، وتفاقم عدوانه على الثغور ودأبه على غزو أراضيهم والعيث في بسائطهم، وإتلاف زروعهم، وتشتيت شملهم، فوعده الخليفة


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٩ و ٣٠، وروض القرطاس ص ١٢٧، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>